حقيقه الرحله الي الله الجزء الاول

حقيقه الرحله الي الله 

الجزء الأول 

               
وهذا العنوان قُصد به تذكير أنفسنا أننا رُحّال، نرتحل من حال إلى حال، ونركب في رحلتنا هذه أعمارنا، نرتحل متوجّهين إلى ربّنا راجين رحمته ونحن نخشى عذابه ـ نسأل الله ـ غزّ وجل ـ أن نكون حقًا ممن رجا الرحمة وخشي العذاب.
👈وهذه الكلمات أرجو أن تكون تذكيرًا لنا بحقيقة ما علينا بهذه الرحلة، فمهما وصفنا الرحلة إلى الله لن نعطي الأمر حقّه إلا أننا نعتمد قوله {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} .

😔نبدأ بتذكير أنفسنا قوله تعالى: {وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ} هذا اليوم العظيم يوم التنادي يوم الحساب والحشر، سُمّي هذا اليوم بيوم التناد؛ لأن الخلق يتنادون، فمِن مُستشفع، ومِن مُتضرّع، ومِن مُوبّخ، ومِن مُعتذر، ومِن مُعلن بالطاعة، ومِن مُهنِّئ ومُسلِّم، يناديهم ربّهم وينادي بعضهم بعضًا.
لكن في ذلك اليوم تختلف النداءات حسب ما كنت تنادي هنا في الدنيا ! من تنادي هنا ومن تسأل؟ وتنادي وتسأل من أجل من؟!
ولذلك يقول تعالى في سورة فُصِّلت: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ * وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَدْعُونَ مِن قَبْلُ وَظَنُّوا مَا لَهُم مِّن مَّحِيصٍ} هذا النداء منه سبحانه وتعالى لهم، يناديهم ـ سبحانه وتعالى ـ يسألهم: أين شركائي الذي تعلّقتم بهم واعتنيتم بهم والتفتت قلوبكم لندائهم؟! أين هؤلاء الذين وقع في قلوبكم التعلق بهم ؟! 
فتصوّر هذا اليوم واذكره لا تنساه .
💥{وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ}: يوجد محذوف وهذا أمر شائع في القرآن، (واذكر يوم يناديهم)، معناه ابْقَ ذاكراً كيف أنّ الرب ينادي خلقه ويسألكم: من كنتم تزعمون أنهم ينفعونكم فتعلقت به قلوبكم، أين هم؟! فما لهم من جواب إلا أن يقولوا {آذَنَّاكَ} أي نُخبرك نُعلنك أننا على يقين أن لا أحد ينفع، {ما منا من شفيع}، ما أحد يرى الذين كنا ندعوهم شركاء لك يا ربنا! لا نرى أحدًا من الخلق ممن كنا نتعلق بهم ونراهم شيء، ولاشي من الآمال التي قطعت طريقنا عنك! وتلك اللحظة في يوم التناد يوم يناديهم أيين شركائي {ضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَدْعُونَ مِن قَبْلُ} غاب عنهم ماوجدوا من كانوا يدعونهم من قبل في الدنيا، ستغيب ستنقطع ستظهر الحقائق لكن في وقت {مَا لَهُم مِّن مَّحِيصٍ} لاملجأ لهم من العذاب، مالهم من مهرب.
والمحيص بمعنى: المهرب مالهم من مكان يفرّون فيه. في يوم التناد ينادي أصحاب الجنة أصحاب النار ينادونهم نداءًا يظهر فيه آثار إيمانهم فأصحاب الجنة الذين عاشوا في الدنيا مستجيبين لربهم متيقّنين بما وعدهم، 📢ينادون أصحاب النار {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً} هذا بعد أن يحمدوا الله، الآية السابقة لهذه الآية {وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ} ثم يأتي نداءهم في يوم التناد: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً} نحن على يقين أن ما وعدنا ربنا حقًا، ثم يتحول علم اليقين إلى عين اليقين، فيُنادي هؤلاء أهل النار، بمعنى أنهم يخاطبونهم، وسيسمعون أصحاب النار مع بُعد المسافة! ألا ترى سعة الجنة؟! وألا تسمع عن سعة النار؟! وأيضًا بينهما حجاب، لكن الله ـ عز وجل ـ ذاك الوقت يُبلّغ الصوت، وعلم الله وقدرته لا حدّ لها! فما الخبر؟ 
✒الخبر في النداء: {قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً} وهذا من ارتباطهم بحالهم وتنغيص أعدائهم لعلم رفاهية حالهم؛ لأنهم كانوا في الدنيا يضلّلونهم، أهل النار يضللون أهل الجنة في الدنيا، بمعنى أنهم يحكمون عليهم بالضلال ويستهزؤون بهم، وكيف أنهم يصوّرون لهم أنهم حاربوا أنفسهم طيبات الدنيا وأنهم أخطؤوا في حق أنفسهم لما تزهّدوا، وفي الحقيقة: ما قدروا الله حق قدره!
أهل الجنة ينادون أهل النار {أن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً}؟ 
وهذا ليس من باب طلب الخبر، الاستفهام هنا ليس المقصود منه الإجابة إنما المقصود منه بيان الحال والتوبيخ.
فهذا السؤال فيه من التنويه أنك لابد أن تعيش في الدنيا متيقّنًا أن ما وعد الله حق وتحمل همّ يوم التناد وترجو من الله أن تكون من هؤلاء الذين هم أصحاب الجنة {فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً} بعد ما يتمتعون ويتحول علم اليقين إلى عين اليقين {وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً}.
😳ثم انظر لهذا اليوم العظيم أيضا، كما أن أهل الجنة سينادون أهل النار، أهل النار سينادون أهل الجنة {وَ نَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ} .
والمعنى أنهم من شدة ما هم فيه، ومن شدة اليأس ومن تعوّد حالهم على أن يسألوا غير الله ماذا فعلوا؟ {نَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا}، وكلمة أفيضوا من الكلمات الدقيقة جدًا، يعني يطلبوا منهم أن يصبوا عليهم ماء ليشربوا منه مما هم فيه من حال! {أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ}، وهذا السؤال من أهل النار لأهل الجنة فيه تعريض بأمر دقيق: أن هؤلاء أصحاب الجنة عُرف عنهم السخاء وعرف عنهم ترك الدنيا وبذلها من أجل الله، فماذا كان من جواب أهل الجنة إلا أن {قَالُواْ إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ} فالسخاء في موطنه سخاء أما في موطن لا يحبه الله ليس بسخاء، ثم انظر ماذا قالوا في وصفهم: {الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَـذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ} .
🏮معنى ذلك أن أعظم أوصاف النار التي حرمت عليهم الجنة وحرمت عليهم ما فيها: أنهم {اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} وهذا أخطر ما يكون عليه الخلق: أن لا يتصوّروا حقيقة الحياة الدنيا، فتغرّهم وتبعدهم، فإذا تبيّن للإنسان حقيقة الحياة الدنيا لا يمكن أن يتّخذ دينه لهوًا ولعبًا، وسيبقى يوم الحشر على باله، فقال الله في حقهم: {فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَـذَا}، والظاهر أن قوله تعالى : {الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا} هذا من كلام أهل الجنة، ثم قوله {فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَـذَا}.
📖المعنى أن الله حرمهما على الكافرين الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا، ومعلوم أن المقصود بالنسيان الإهمال، فلما كانوا في الدنيا يذكرون يوم القيامة ذكر من لا يتيقّن به، فكان الحال أن ينساهم الله عز وجل ويهملهم؛ تعذيبًا لهم!
فنسيانهم هذا إظهار أن حرمانهم للرحمة في أشدّ أوقات احتياجهم لها لأنهم نسوا طلب هذه الرحمة في الفرصة التي أُعطيت لهم!
لا تنسى يوم التناد {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} هذا اليوم العظيم يدعوهم الله، يناديهم وينادي كل أناس بإمامهم، فراجع نفسك، ما معنى يوم ندعو كل أناس بإمامهم؟ يعني ندعو كل أمة بإمامها: يا أمة محمد، يا أمة عيسى، يا أمة بوذا، يا أمة العزى، فهذا يوم التناد الذي ينادى فيه الخلق بإمامهم وستتبع أنت إمامك، لابد أن تتفكر يوم يناد الناس بإمامهم:
• من إمامك؟ 
• هل حقًا جعلت النبي إمامًا لك؟ 
• وهل حقّقت أن يكون إمامك؟!
👈فاحمل همّ هذا النداء.. احمل همّ هذا النداء!
ولو نظرت إلى آية الإسراء: {يوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَـئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً * ومَن كَانَ فِي هَـذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً} .
💥• اعتني بإمامك.
💥• اعتني بمتابعة سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
💥• غدًا سينادي يا أمة محمد فهل أنت من أمته؟! 
👐نسأل الله أن يوفقنا لمتابعة سنته، نسأل الله أن يجعلنا ممن يعظم سنة النبي صلى الله عليه وسلم ويتابعها ويعمل بها مريدا وجهه سبحانه وتعالى.
أما هذا الأعمى فيطول الكلام عنه، لكن نبقى في الكلام حول الاستعداد ليوم التناد.
ومن هذه النداءات التي تكون يوم القيامة: نداء النار لأهلها نسأل الله أن يحفظنا! {إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً (12) وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُوراً (13) لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً} هذه من النداءات التي هي على لسان أهل النار، إذا سيقوا إليها فكانوا من النار بمكان ما يرى الرائي يسمعون صوتها يسمعون لها تغيظًا وزفيرًا!
والتغيظ :هو الغضب، والزفير: هو ارتداد النفَس، ثم إذا ألقوا منها مكانا ضيقا ويدعون ثبورًا والمقصود بالدعاء يعني النداء بأعلى صوت، والثبور الهلاك، ينادون ويصرخون ويقولون يا ثبورنا، يا هلاكنا! كأنهم ينادون الهلاك كأنهم يقولون يا هلاك أقبل ! لأنهم يتمنون الاستراحة من فظيع العذاب! فيردّ عليهم: {لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً}، كرروه، فلن ينفعكم ذلك! 
📎ثم يقول: {قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاء وَمَصِيراً (15) لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاؤُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُولاً} فانظر إلى الفارق؟! واعلم أن الفارق كله يدور حول كلمة واحدة {الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} نسأل الله أن يرزقنا التوبة وأسبابها ويصرف عنا شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا.
💥لا تنسَ أنّ في يوم التناد هذا اليوم العظيم الذي تختلف فيه النداءات يصفه الله {يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُّكُرٍ (6) خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ (7) مُّهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ} انظر هذه الدعوات كلها! لابد أن تستعدّ لها وأن ترجو من الله أن لا تكون ممن ينادي في يوم التناد بهذه النداءات!
فدعاء الداعي يدعوهم الداعي يجمعهم أن اجتمعوا للحساب، وهذا الداعي يدعو إلى شيء عظيم، هول، ولهذا وصف بأنه (نُّكُرٍ) تنكره النفوس وتكرهه، ولذلك في يوم التناد يكون عند الخلق من الخوف الشديد ما يرجون أن ينادى عليهم {َأن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} عندهم من الخوف الشديد الذي لا يطمئنهم إلا أن ينادي بهم منادي {َأن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا} فإيراث الجنة هو الذي نرجوه، نرجو أن نلتقي به يوم التناد.

📄فحقيقة الرحلة هذه الحياة هو ما وصف الله، سيأتي لحظة بعد هذه الرحلة فينادى عليك بأحد هذه النداءات:
• هل سينادى عليك من مكان بعيد ؟
• أم ينادي عليك من مكان قريب ؟ 
• هل ستكون ممن يسلم ويهنأ ؟
• أم ممن يوبخوا فيعتذر ؟!
لهذا من عرف حقيقة الرحلة، عامل الله بالتقوى واستعد لهذا النداء.

🌹للدرس بقيه إن أحيانا الله 🌹

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق