تفسير فضيلة الشيخ د. محمد بن عبد الله الربيعة
سوره البقره من آية (6) الي (10)
نكمل الآيات
) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10)
, الآيات التي سبقت هي في
الصنف الأول المنتفع بالقرآن
أما
هذه الآيات فهي في نوعين من الناس لا ينتفعون بالقرآن ولا يكونون من أهله ما
داموا على هذه الصفات فلنحذرها في أنفسنا , لأن من اتصف في
إحدى هذه الصفات نقص اهتداءه وانتفاعه بالقرآن .
الصنف الأول : وهم الكافرون , قال الله عز وجل عنهم ) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا
سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6)
خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ
غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7) (
وهنا
قد يكون إشكال ) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا
سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6) ( يعني
هل تعني هذه الآية أن الكافر
سواء أنذرته أو لم تنذره لا يؤمن ؟ إذاً فما الفائدة من الدعوة إلى الله عز وجل ؟
هذه
الآية تُشكل على كثير من الناس في ظاهر مفهومها , يعني لو أخذنا بظاهر مفهومها على
هذا الوجه فإنه لا فائدة من دعوة الكافرين
إذاً فما الجواب ؟! فما
المعنى المقصود ؟
قيل
إن هذه الآية في صناديد الكفار كأبي جهل وأبي لهب وغيرهم والأحزاب وقيل أيضاً هم
الّذين أصرّوا على الكفر وعاندوا وأبَوا أن يستجيبوا ويستمعوا كلام الله عز وجل
,
لكنك تجد من الكافرين من يسمع كتاب الله عز وجل فيؤمن أليس عمر كان مشركاً فلما
سمع كتاب الله آمن كيف آمن ؟
آمن
حينما أحضر قلبه وأصغى بسمعه وأقبل على القرآن , فكل كافر يقبل على القرآن يهتدي ,
وكل كافر يُصر على كفره ويُعاند ويأبى أن يؤمن بهذا القرآن لا يمكن أن يهتدي .
أرأيتم
ذلك ؟! هذا هو المعنى الظاهر الصحيح الذي رجّحه كثير من المفسّرين .
إذاً
هي في المصرّين على الكفر المعاندين العامدين في كفرهم , فهؤلاء سواء أنذرتهم أم
لم تنذرهم لا يؤمنون , ألسنا قلنا أن هذه الآيات فيمن لا ينتفع بالقرآن ؟ بلى ,
إذاً هي في المُصرِّين الّذين عقدوا في قلوبهم الكفر وأبَوا أن يؤمنوا .
فلذلك
جزاءهم ماذا ؟ جزاءهم من جنس عملهم قال الله : ) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى
قُلُوبِهِمْ ( [1] ما دام أنهم مصرّون فالله تعالى يُزيدهم إصراراً وضلالاً ) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى
قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ ( وإنما خصّ القلوب هنا لأن القلوب هي التي تعي , والأسماع لأنها هي
التي تسمع كتاب الله عز وجل .
ثم
قال : ) وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ
غِشَاوَةٌ ( أي غطاء لا يبصرون الحق , فالحق يبصره الإنسان في بصيرته قبل بصره
) فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى
الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ( [2] , فأشار الله عز وجل أن من أعرض فإن الله عز وجل يزيده إعراضاً ويمدّه
في طغيانه كما قال الله عز وجل : ) وَيَمُدُّهُمْ فِي
طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ( .
ثم
قال الله في الصنف الثاني من
المعرضين وهم المنافقون قال : ) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ
يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) ( هنا سؤال
لماذا عبّر عن المنافقين
بقوله ومن الناس ولم يقل والمنافقون يقولون ؟
معاملةً
لهم بمثل حالهم أليس يخفون كفرهم خِداعاً ومخادعة لله ورسوله والمؤمنين , فالله
تعالى هنا عاملهم بمثلهم فعبر عنهم بأسلوب عام ) وَمِنَ النَّاسِ ( ثم أيضاً هم من الناس الّذين سبق ذكرهم وهم الكافرون فكأنه قال
هؤلاء صنف من الكافرين , وإنما خصصناهم لأنهم صنف فيهم خطر على المسلمين ولذلك
أطال الحديث عنهم , تحدّث الله عن الكافرين في آيتين
وأطال بعد ذلك الحديث عن المنافقين لأنهم يعيشون مع المؤمنين ولا شك أن خطرهم أعظم
لخفائهم , فالله تعالى ميّز صفاتهم لنعلمهم , فمن كان فيه هذه الصفة ففيه صفة من
المنافقين .
ما هي هذه الصفات ؟
الصفة الأولى : قال الله عز وجل : ) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ
يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) ( إذاً هي إيمانهم الظاهر وكفرهم الباطن , فمن كان هذا حاله فهو
منافق لا يمكن أن ينتفع بالقرآن , فهذا أول مانع
من موانع الانتفاع .
ثم
المانـع الثاني : قـال الله : ) يُخَادِعُونَ اللَّهَ
وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ
(9) ( فهذا وصف زائد كاشف للمنافقين وهو اتصافهم بالمخادعة , وهو مانع
من موانع الإيمان والانتفاع بالقرآن لماذا ؟
لأن
المخادعة أيها الإخوة متضمنة إخفاء أمر فاسد في النفس , وإذا فسد القلب لا يمكن أن
ينتفع بالقرآن , .
وجه مخادعتهم لله قال الله عز وجل : ) يُخَادِعُونَ اللَّهَ ( كيف يخادعون الله ؟
هم
يخادعون في دين الله هم لا يخادعون المؤمنين في أمر من أمور الدنيا وإن كانوا
يفعلون ذلك لكن المقصود هنا أنهم يخادعون المؤمنين في أمر من أمور الدين بأنهم
يظهرون إيمانهم ويبطنون كفرهم , فلذلك قال : ) يُخَادِعُونَ اللَّهَ ( كأنهم قالوا يخادعون دين الله - عز وجل - وأيضاً فإن مخادعتهم
للمؤمنين كأنها مخادعة لله عز وجل , فذلك لتعظيم هذا الأمر وبيان فساده وجرمه .
ثم
بيّن الله جزاءهم فقال ) وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا
أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) ( كيف يخدعون أنفسهم ؟
يعني أنه ها هو يصلي لكنه لا يكسب من صلاته شيئاً ،
ها هو يؤمن لكنه لم ينتفع من إيمانه شيئاً , فهو يخدع نفسه لأنه سيأتي يوم القيامة
وقد حبط عمله كله بريائه ونفاقه , فهذا معنى وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون ,
لا يشعرون أن هذا الإيمان لن ينفعهم , لا ينفعهم في الآخرة عند الله عز وجل وإن
نفعهم في الدنيا بأن كانت أُجريت عليهم أحكام المؤمنين .
الوصف الثالث : قال الله عز وجل ) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ
فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ
(10) مرض القلب والكذب هذان وصفان ، والمرض هنا المقصود به المرض المعنوي في
الشك والريب والاضطراب وعدم التصديق فكل ذلك داخل في هذا المرض , فهي كلها من صفات
المنافقين .
ثم
خص صفة واحدة من صفاتهم لأنها هي من أشهر صفاتهم , قال الله عز وجل ) بِمَا كَانُوا
يَكْذِبُونَ ( وإنما نص أو صرّح الله عز وجل بها لأنه صفة يجب الحذر منها ،
ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال : « آية المنافق
ثلاث » وأعدّ أولها فقال : « إذا حدّث كذب
» , وهذه الآية فيها قراءتان ) بِمَا كَانُوا
يَكْذِبُونَ ( و ) بِمَا كَانُوا
يُكَذِّبُونَ ( بما كانوا يكذبون في حديثهم وبما كانوا يُكذّبون في إيمانهم
فاشتملت حالهم الظاهر والباطن .
فزادهم الله مرضاً ماذا زادهم الله ؟
أي
زادهم الله اضطراباً وشكّاً وريباً وخوفاً وغير ذلك , جزاءاً من جنس عملهم .
تم بفضل الله ويتبع بإذن الله تعالي
تم بفضل الله ويتبع بإذن الله تعالي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق