تفسير الآيات من 229 - 231




تفسير الآيات من 229 - 231 

بسم الله الرحمن الرحيم

  الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229) فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230) وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231) ( .



نعود للآيات ، إذاً يقول الله سبحانه وتعالى : ) الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ( ثم قال بالآية التي بعد بعدها : ) وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا ( من يلتمس لنا شيئا ؟



هنا زاد الإحسان ، هناك لم يأتي بالإحسان ، جاء بالمعروف ، الآية الأولى قاعدة هذه القاعدة التي يجب أن يسير عليها كل أهل الإسلام، القاعدة أن الإمساك بمعروف والتسريح بإحسان، وهذا من رحمة الله تعالى ما كلفنا الإمساك بإحسان ، يعني إمساك بمعروف وتسريح بمعروف ، أو إمساك بإحسان أو تسريح بإحسان ، لا ، قال الإمساك بمعروف بالمتعارف بين الناس ، والتسريح لأن الطلاق كسر لها وظلم لها وجرح لها ، اجبر هذا الجرح بأن تحسن إليها ، مع الأسف الكثير من الناس إذا جاء الطلاق التسريح ليس بالمعروف بل بالسيئ ، هذه القاعدة ، الإمساك بمعروف والتسريح بإحسان ، ينبغي كل أهل الإيمان أن يسيروا عليها ، لكن في الصورة التي بعدها هذا الشخص يخشى منه في المُضارة ، ) وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا ( هذا النوع من الناس إذا كنت قاضي أو كنت مصلح ، لا ينتظر من هذا أن يُحسن ، يقال له بس سرح بمعروف يكثر الله خيرك ، هو الآن مضار نقول له أحسِن ؟ تقول له بس اترك بمعروف ، واضح ، إذاً عندنا حالة خاصة التي هي معروف ومعروف ، القاعدة العامة التي ينبغي أن ننصح بها ونوجه الناس بها أن التسريح بإحسان ، قال الله تعالى ) الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ( إذاً عرفنا أن التطليق مرتان وهذا الطلاق الرجعي ) فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ ( وهو ما تعارف عليه ، ) أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ( وكلما أحسنت أحسن الله إليك في هذا التسريح ، ) فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ( ولاحظوا قد قال ) فَإِمْسَاكٌ ( حتى اللفظ ما قال ( فإبقاء ) في فرق بين الإبقاء والإمساك ، الإمساك كأنها جوهرة غالية عليك تمسك بها ، الإبقاء عادي ، فحتى اختيارك عن الآية تشير إلى أن الشيء غالي ثمين لا تفرط فيه ) فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ ( والتسريح أيضاً لأن فيه مشاقة وتعب ، تخلية ليس بترك ، تسريح ) وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ ( ، ثم قال الله تعالى ) وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ ( لاحظوا الآن تبدأ المشاكل ، الإشكالات بسبب الطلاق ، خذوا قاعدة يا إخواني إذا اختلفت الفواصل زادت الكلمات زادت كذا تغير الأسلوب ، دائما مما يحل هذا الإشكال الذي يقع في رأسك ، انظر إلى سباق الآية ولحاقها يحل لك هذا الإشكال ، انظر في سرد الآية ما سبقها وما لحقها وتأمل فيها ، وترى من الأشياء المعينة ، ولذلك طلبت أن يكون بين يديكم المصحف ، أنك تتأمل في الآيات ولو أنك كنت حاضر ، تنظر وتقارن وتتأمل فيبقى في رأسك ، والأجود من ذلك الأخوان الذين وزعوا عليكم هذه السنة الحسنة والأوراق الجميلة الذي فيها المصحف على اليمين والباقي فراغ للكتابة ، جيد لو أنه دون فيه حتى لا ينسى ، إذاً يقول الله عز وجل ) فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا ( هنا جاءت مسألة الحِل ، لأن كما قلت لكم في الجانب الشرعي عندنا جانب وعظي وجانب حكمي فتداخل الوعظ مع الحكم ، لا يحل لك أن تأخذ مما أتيموهن ، لأنك في بعض الأحيان ما تطلق لماذا ما تطلق وليش تعلعل في الطلاق ، ولماذا يتردد الرجل في الطلاق في بعض الأحيان ؟



ينوي أن يأخذ شيء مما آتاها ، يقول بطلق كذا خسرت كل الخسائر وما يرجع شيء ، قال الله تعالى : ) وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا ( ( مِمَّا ) للتبعيض ، أول شيء تبعيض و ( شَيْئًا ) منكر يعني حتى لو قليل ، يعني من المئة ألف ألف، لا حتى ولو قليل وخمس مئة لا ) وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا ( وفي قراءة ) إِلَّا أَنْ يُخَافَا ( طبعاً هذه الآية للحاكم أو للقاضي أو أنها للزوج ، قيل وقيل ، ) إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ( يعني لو أنها شعرت أنها لن تقيم حدود الله أو شعر القاضي أنها لن تقيم حدود الله فيه ، لن أطيعه لن أفعل ، فإذا خافت من الله تعالى فيه ، وخافت أنها تظلمه جاز لها الافتداء ، أما إن كان المشكلة منه وكان إنما فعل ذلك مضارة فالله - عز وجل - قال في آية أشد من ذلك ) وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا ( [1] والقنطار قيل ملؤ جلد الثور ذهب ، وجلد الثور الآن يسع 150 كيلو ذهب ، وكيلو الذهب بكم ؟ يعني ما يبلغ ال20 مليون ريال ، ) وَآَتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ( وطبعا قيل بهتان وإثم مبين لماذا ؟ لأن ربما يبهتها في شيء يقول تراني إذا قلتم أنتم غير معطيني فإني سأقول أنها وجدتها غير بكر ، فيقولوا لا خذ مالك يبهتها مع أنه غير صحيح ) أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا ( [2] وأيضاً ) إِثْمًا ( وليس إثمـاً عاديـاً ) إِثْمًا مُبِينًا ( ، ) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ( [3] حماية للمرأة وحماية لما ملكته ، إذاً قال ) وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ ( وثبت ذلك أن النقص منها ) فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ( يجوز أنها تفتدي من نفسها ، هل تفتدي بالمهر كله ؟ أو بأكثر منه ؟



وقع خلاف بين أهل العلم ، بعضهم قالوا : لا بس المهر ، وبعضهم قالوا يجوز الافتداء وعلى كلٍ ) فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ( من قال استدل بالآية ، ومن قال أيضاً الآخر استدل بالآية ، ودي تستخرجون الدليل للمانعين وللمجيزين ، وإن كانوا الذين منعوا جاءوا بقصة جميلة بنت عبد الله بن سلول عندما كان زوجها قيس بن ثابت بن شماس شاعر شجاع وكريم لكنه كان دميم الخلقة ، رفعت طرف الخباء تقول : فرأيته أقصر القوم وأكثرهم دمامة وكانت هي جميلة ، لكنها رفعت طرف الخباء كانت ما تشوفه لوحده ولكنها شافته مع الرجال ، مع الرجال وجدت أنه أقصرهم وأقلهم فكرهته ، فذهبت للنبي وفي بعض الروايات في غلس في آخر الليل ، قالت يا رسول الله أني أكره الكفر بعد الإيمان ، تخشى نفسها أن تقع في الزنى ، قال عليه الصلاة والسلام : أتردين عليه الحديقة ( المهر ) ؟ الحديقة كان أمهرها بحديقة ، قالت : أرد الحديقة وأزيده ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : أما الزيادة فلا ، ثم قال له : إقبل الحديقة وطلقها تطليقة [4] ، خلاص ما دام رجعت الحديقة ، فبعضهم قال الحديث هذا يدل أن الزيادة لا ، والحقيقة التأمل في الآية حتى المانعين استنبطوا من الآية ، قال : ) وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ ( لأن المسألة في المؤتى وليس في الزائد ، والآخرين قالوا لا ) فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ ( عموماً ولكن الصحيح أن كل الكلام على المؤتى ، أما الذي ما أوتي ، على كلٍ المسألة خلافية بين أهل العلم فقط أردتكم تعرفون الخلاف من ظاهر الآية ، نعم إذاً يقول الله سبحانه وتعالى ) فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا ( في الشهوات لا تقربوها ، وفي الخصومات والنزاعات حدود لا تعدونها ، ولاحظوا كم مرة جاءت حدود هنا ؟ كم مرة كررت ؟



إذاً في منافسة وزعل ، حدود ، حدود تؤكد قف لا بأس لو قربت ولكن لا تتجاوز الحد ، أما الشهوات لما قال الله سبحانه وتعالى ) أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ ( [5] ثم قال ) فَلَا تَقْرَبُوهَا ( لأن الشهوة لها مغناطيس جاذبية لو اقتربت منها يُخشى أن تقع فيها ، إذاً ) تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا ( ثم قال سبحانه وتعالى ) وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ( الظالم الذي توقع أنه بتعديه لحد الله أنه ظلم غيره الحقيقة هو ظلم نفسه وهو الظالم حقيقة .




[1] سورة النساء 20 .

[2] سورة النساء 20 .                                                                                                               
[3] سورة النساء 21 .
[4] في السنن الكبرى للبيقهي باب الْوَجْهِ الَّذِي تَحِلُّ بِهِ الْفِدْيَةُ وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَارِثِ أَخْبَرَنَا عَلِىُّ بْنُ عُمَرَ الْحَافِظُ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ : أَنَّ ثَابِتَ بْنَ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ كَانَتْ عِنْدَهُ زَيْنَبُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَىِّ بْنِ سَلُولَ وَكَانَ أَصْدَقَهَا حَدِيقَةً فَكَرِهَتْهُ فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : « أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ الَّتِي أَعْطَاكِ » . قَالَتْ : نَعَمْ وَزِيَادَةً فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : « أَمَّا الزِّيَادَةُ فَلاَ وَلَكِنْ حَدِيقَتُهُ ». فَقَالَتْ : نَعَمْ فَأَخَذَهَا لَهُ وَخَلَّى سَبِيلَهَا فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ ثَابِتَ بْنَ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَدْ قَبِلْتُ قَضَاءَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - . سَمِعَهُ أَبُو الزُّبَيْرِ مِنْ غَيْرِ وَاحِدٍ وَهَذَا أَيْضًا مُرْسَلٌ .
[5] سورة البقرة 187 .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق