سورة البقرة من الآية (33) إلى الآية (34)
ـ فضيلة الشيخ د. محمد الربيعة
نكمل مع الآيات
ثمّ
قال الله عز ّوجل : ) قَالَ يَا آَدَمُ
أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ
أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا
تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33) (
في
هذه الآية أنّه لما طلب منهم الإنباء عن الأسماء فعَجِزوا عن ذلك ،
) قَالَ يَا آَدَمُ
أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ ( أيّ الأسماء التي علّمها الله تعالى إيّاه وهي أسماء الموجودات
كُلّها . قيل وفي هذا خلاف كثير وقيل : علّمه الأسماء ومدلولاتها وهو
الأظهر والله تعالى أعلم .
قال
الله عزّ وجل : ) أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ
إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ( ما عَلاقةُ هذا ؟
لإظهار كمال علمه سبحانه وتعالى وشمول إحاطته
بالخلق , وأنّه سبحانه وتعالى له الأمر كُلُّه وله العلم كُلُّه وله الحكمة
كُلُّها فيما يختاره ويأمر به ،
وهذا يبعثُ على الامتثال فإذا قال الله أمر فلا
ينبغي لأحدٍ من خلقه أن يعترِض عليه .
) وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ
وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ
الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ( ذلك أنّ الله له الحكم والأمر سبحانه وتعالى , وهذا معنى قوله : ) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ
غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ (
وفي هذا معنىً لطيف ذكره بعضُ المُفَسِّرين في قوله : ) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ
غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ( وهو الغيب العام ومنه الغيب المُتَّعلق بآدم ، وما سيكونُ من شأنه
مع إبليس في الجنّة ، وما سيكونُ بعده من تكليف ، والبعث ، والجزاء ، والجنّة ،
والنّار ، وعِلمِه بالملائكة وما يكونُ من شأنهم ممّا فيه قيامٌ بما يأمرهم الله -
عز ّوجل - بما يُحققّ لآدم وذُريّته الخلافة ممّا يكون من جبريل - عليه السَّلام -
من حمل أمانة الرسالة وتبليغها وأمانة الوحي ، وما يكون من مَلَك الموت وما يكونُ
من شأن مَلَك الجِبال وغير ذلك ممّا يكِلُهُم الله تعالى بهم .
ثمّ
قال : ) وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ
وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ( ما معنى وما كُنتُم
تكتمون ؟
هل كَتَم الملائكة شيئاً عن ربّهم ؟! لم يكتموا
،
ولذلك هنا فيه إشارة إلى أنّ الله يعلم فيما
لو كنتم تكتمون شيئا فإنّ الله يعلمه , في هذا إشارة للخلق بأنّهم يعلمون أنّ الله
مُطَّلع على ما في نفوسهم ، وفيه إشارة ولطيفة
متعلّقة بقصّة آدم وهو معرفته سبحانه وتعالى وعلمه بما يكتمه إبليس
حين رأى خلق آدم وأنَّه لا يَتَمَالك لأنّه أجوف ، ثمّ قال للملائكة الذِّين معه
حين رأوا خَلقه : أرأيتم إن فُضِّلَ هذا عليكم وأُمرتم بطاعته ، ما تصنعون ؟!
قالوا : نُطيع الله , قال إبليس في نفسه قال : والله لئن سُلّطتُ عليه لأُهلِكنَّه
، ولئن سُلِّطَ عليَّ لأعصيَنَّه , هذا ممّا في كان قرارة إبليس حين علم بخلق آدم
، فقال الله : ) وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ
وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ( لأنّ إبليس لم يُعلِن الاعتراض إلاّ حين أُمِر بالسُّجود بعد ذلك
.
ولذلك
قال الله عزّ وجل بعد ذلك : ) وَإِذْ قُلْنَا
لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى
وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ( إلى آخر الآيات .
هذه
الآيات فيها فضيلة آدم وتكريمه بأمر
الله بالسُّجود له ،
وهذه الميزة الثَّالثة
بعد أن شرّفه بأن اختاره للخلافة ثمّ علّمه الأسماء ،
هنا أَمَرَ الملائكة بالسُّجود له
فهذه من الكرامات التي أكرمه الله تعالى بها لآدم
قال
الله عزَّ وجل : ) وَإِذْ قُلْنَا
لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا ( قلنا أنّه جاء الأمر بالسُّجود له بعد أن بيّن فضله بالاستخلاف والعلم
، وهذا من التَّدرج في بيان الفضل .
لاحظوا أنّ الله عزّ وجل قال : ) فَسَجَدُوا ( ماذا نستفيد من قوله : ( فَسَجَدُوا ) ولم
يقل : ( وسجدوا ) ؟
نستفيد
منها التعبير بالفاء الدّال على الترتيب ، والتعقيب سرعة امتثال الملائكة لأمر
الله عز ّوجل بالسُّجود له ، فيوم أن أمرهم ما تلكئوا , إنّما سجدوا مباشرة وهذا
يدلُّ على فضيلة آدم .
سوى
إبليس قال الله عزّ وجل : ) إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى
وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ( لم يقل ( إلا إبليس لم يسجد )
أو قال : ( إلاّ إبليس امتنع )
قال
: ) أَبَى وَاسْتَكْبَرَ ( لماذا قال : ) أَبَى
وَاسْتَكْبَرَ ( ؟
للدَّلالة على سبب امتناعه ، وهو التكبُّر والعناد -
عياذاً بالله - وليس ذلك منه لأجل التأمُّل أو التَّردد أو السؤال عن هذا المخلوق
، أو لماذا أسجد ، وإنّما أظهر الله - عز ّوجل - سبب امتناعه وهو التَّكبُر ) أَبَى وَاسْتَكْبَرَ (
ولماذا قال : ) أَبَى
وَاسْتَكْبَرَ ( ولم يقل : ( استكبر ثمّ أبى ) لأنّ في الأصل
أنّه يستكبر ثمّ يأبى ، فلماذا قدّم الإباء على الاستكبار مع أنّ حقّه التأخير ؟
لأنّه
هو الذّي يظهر في الظّاهر ، فالإباء ظاهر أمّا الاستكبار فلا يظهر لأنّه في نفس
إبليس ، فقدَّم ما هو دالٌّ على الأمر بحقيقته وواقِعه وهو إِبائه وامتناعه ظاهراً
، فهو امتنع ظاهراً ولم يمتنع في نفسه فقط , فقدّم قوله : ) أَبَى ( .
ثمّ
قال : ) وَاسْتَكْبَرَ ( ولم يقُل ( تكبَّر ) لماذا استكبر ، ما
فائدة ذلك ؟!
هذا
يدلُّ على أنّه استجلب الكِبِر يعني تطّلب الكبر عياذا بالله ، اُنظروا ما
في نفس هذا العدّو الذّي قد وصل به الحال من الحسد لآدم أنّه استجلب لنفسه
الاستكبار والكِبر لئلا يسجدَ لآدم - عليه السّلام - .
ثمّ قال الله : ) وَكَانَ مِنَ
الْكَافِرِينَ ( ولم يقل وكَفَر ، لماذا ؟
للدَّلالة
على بلوغه نهاية الكفر ، أيّ أنّه قد وصل المرحلة النّهائية للكفر ، وهو مُشعِرٌ
بنزوله إلى أسفل سافلين بعد أن كان في أعلى عِليِّين ، وفي مقابل ذلك أعلى الله
آدم عُلوّاً فمنحه هذه الكَّرامة وهذا الشَّرف وهذا العُلُّو .
في
هذه الصِّفات أيُّها الإخوة وإظهارُها الإباء ، والاستكبار ، والكُفر تعريضٌ
للمستكبرين الذِّين لم يُؤمنوا بالنّبي صلى الله عليه وسلّم ولم يعترفوا به
وبدعوته وبهذه الأمّة المحمّدية وأخَصَّهم اليهود وغيرهم فقد أبَوا واستكبروا
وكانوا من الكافرين كما قال الله : ) وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ
كَافِرٍ بِهِ ( وفيه تحذيرٌ للمؤمنين من هذه الصِّفات الثَّلاث إذا جاءهم أمرُ الله
عزّ وجل أن يأبَوا أو يستكبِروا أو يكفروا عياذاً بالله .
نستكمل غدا بإذن الله تعالي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق