عباده الشكر الجزء الاول

عباده الشكر

الجزء الاول


              الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، نحمده سبحانه وهو يستحق الحمد ونشكره ونحن نرى آثار نِعَمِه تترا على الخلق، خصّنا بالإيمان والتوحيد، وأنعم علينا بالعلم، ورزقنا الفهم عنه سبحانه وتعالى!
أخرجنا من الظلمات إلى النور، يسّر لنا سبل العلم كلها، فنسأله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من الشاكرين الذاكرين المثنين عليه سبحانه وتعالى بما يستحقه، لا نحصي ثناء عليه سبحانه وتعالى هو كما أثنى على نفسه.

 
وبما أنّ النعم تترًا والعبادة الحق منطوية على شكره سبحانه وتعالى، فكل عابد على الحقيقة إنما هو شاكر لربه على ما أنعم عليه من نعم، فسكون لقاءاتنا -إن شاء الله- سلسلة حول عبادة (الشكر) من أجل أن نفكك الموضوع الذي يكاد يكون هو صلب الدين من جهة، وحَلّ لكثير من المشكلات التي نعيشها على المستوى الفردي في نفوسنا وأبنائنا وعلى مستوى الدول.
هذا الموضوع الذي يكاد يكون صلب الدين وهو الحقيقة، لأن الناس كما وصف سبحانه وتعالى : {إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} ✌فانقسامهم على هذا دلّ على أنها قسمة ثنائية، بمعنى أن الناس لا يخرجون عن هذان الوصفان، إما يكون الشخص كافر وإما شكور لربه، وعلى هذا الناس في هذا الأمر درجات، في كفرهم درجات وفي شكرهم درجات.
فنسأله أن يجعلنا من الشاكرين الذاكرين، وأن نكون ممن شكر عن علم وعن صدق، فكم من شاكر كاذب وكم من شاكر جاهل ما تغلغل إلى أعماق قلبه علمه بما يستحق سبحانه وتعالى من الثناء، فلذلك كان شكره باردا وانفعاله ليس في مكانه.

🌙سنطرح هذا الموضوع من ثلاث جهات:-
1. حقيقة الشكر والبواعث عليه، هذا سيكون في لقاءنا اليوم.
2. ثم ننتقل لصورة من صور الشاكرين ذكرها الله في كتابه، هذا سيكون إن شاء الله في اللقاء القادم.
3. إشارة إلى ضد الشكر وما ضرب الله -عز وجل- له أمثلة في كتابه.

👈نبدأ الآن في الكلام حول: (حقــيقــة الشــــــــكر):
هذه الكلمة وهي كلمة الشكر من الكلمات المكررة التي يستعملها الناس في حق الله -عز وجل-، ويستعملها أيضا الناس في حق الناس، فنحن نقول (نشكر الله) ونقول (نشكر الناس)، وفي الحديث كما هو معروف ((مَنْ لاَ يَشْكُرُ النَّاسَ، لاَ يَشْكُرُ اللَّهَ، وَمَنْ لاَ يَشْكُرُ الْقَلِيلَ، لاَ يَشْكُرُ الْكَثِيرَ)) .
فما المقصود بالشكر من جهة عمل القلب؟
وما المقصود بالشكر من جهة عمل اللسان؟
وهذا تقرير أن الشكر سيكون: عمل للقلب، وعمل للسان.
أما من جهة عمل القلب هو الذي سيكون التفصيل فيه، ثم سينتج عن ذلك عمل اللسان.

👍الشاكر: شخص شعر بالنعمة، ونسبها إلى المنعِم، وشعر بفضله عليه، فانفعل بقلبه، ثم انفعل بلسانه.
وسيأتينا بعد ذلك الانفعال بالجوارح، لكن أولا الشكر عمل يحصل في القلب، يعبر عنه اللسان، وفي أول فرصة تعبر الجوارح؛ فأصل الشكر الشعور بالنعمة، ثم إذا شعر وانفعل أتى بعدها انفعال اللسان، ولهذا نلاحظ اقتران الشكر بالذكر. 
لماذا الشكر يقترن بالذّكر؟
كما اتفقنا أن الشاكر منفعل بقلبه على الحقيقة، ثم هذا الانفعال أول مخرج له اللسان، وبعد ذلك كل فرصة تأتيه من أجل أن يعبّر بالجوارح يفعل، فاقترن لذلك الشكر مع الذكر.
إذن ما هو الشكر؟ الشكر عمل قلبي.
نتيجة ماذا؟ نتيجة الشعور بالنعمة. 
فإذا شعر بالنعمة أظهرها، نسبها إلى الله وأثنى على النعمة وعلى المنعِم.

💭وهل شرط أن الناس ينسبون النعم إلى الله لمّا يشعرون بها؟
نرى أقسام الناس في هذه النقطة :
1. مِن الناس مَن هو جحود بحيث أنه لا يعترف بالنعمة سواء نسبها إلى الله أو إلى الخلق.
لا نتكلم عن جاحد لنعمة الله إنما عن شخص لا يشعر بالنعم، ويهرب قلبه دائما من مشاعر أن لأحد فضل عليه، وهذا كِبْر دفين في النفس، دائما يهرب أن يكون لأحد فضل عليه، ومن الطبيعي أن يكون لوالديه فضل عليه، لإخوانه فضل عليه، وهناك فرق بين أن تعترف بأن لأحد فضل عليك وأن تكون ذليلا لأحد.
المقصد أن الشاكر يضادُّه مباشرة الجاحد،، ما هذا الجاحد؟
ليس في قلبه قَبول أن لأحد فضل عليه؛ وهذا تفسير حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((مَنْ لاَ يَشْكُرِ النَّاسَ لاَ يَشْكُرِ اللَّهَ)) أي: من لا يستطيع أن يعترف بالنعم صغيرها وكبيرها فمن المؤكد أنه لن يعترف بنعمة الله -عز وجل- عليه، فالشكر فضيلة توجب كمال إنسانية الإنسان، وهو اعتراف بالنعمة، اعتراف إنّ أنا علي نعمة.
فالنقطة الأولى التي يفترقون فيها هي الاعتراف بالنعمة، فهناك أشخاص فيهم نكران وجحود لا يعترفون أن نعمة عليهم، كلما نظروا إلى ما يتمتعون به أخرجوا لك ما ينغص فيه. فالمقصود أن النوع الأول من الناس الذي يقابل الشكر الجحود -شخص جاحد- فهو غير معترف في الأصل بأن نعمة واقعة عليه.
2. النقطة الثانية التي تضاف في معنى الشكر، الشكر هو: الاعتراف بالنعمة ونسبتها إلى المنعم.
⚡نأتي الآن في أصناف الناس في نسبة النعمة للمنعم، وهذا مكان افتراق عظيم بين الناس، فأولا نأتي إلى التقسيم الثنائي الذي يقسم الناس قسمين :
أصناف الناس في نسبة النعمة للمنعم :
1. مَن ينسب النعمة لله.
2. مَن ينسبها لغير الله.
أما غير الله فيتفرع، يعني: مَن غير الله الذي يمكن أن يشكر؟ كثير، ممكن أن يشكر الإنسان نفسه، ممكن أن يشكر الخلق، ممكن أن يشكر معبودات غير الله؛ ولهذا لو أتيت في هذه القسمة الثنائية وترى أيهم أكثر أن يشكر الله أم من يشكر غير الله؟ 
تجد في كتاب الله -عز وجل- {وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ} { قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ} .
(قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ) فيها فرق عن (أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ) بمعنى أن كثيرا من الناس في أصلهم لا يشكرون، لا يوجد في قلوبهم شعور بالمنّة، أو لا ينسبون النعمة إلى الله.
🎌ثم نأتي للصنف الثاني الذين ينسبون النعمة إلى الله ويشكرونه، هؤلاء الناسبين النعمة الشاكرين هم في شكرهم قليل، مع نسبتهم النعمة لله -عز وجل- ومع ذلك هم قليل في شكرهم (قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ) إذن ماذا تفعلون إذا بلغتكم النعمة؟ تلهيكم النعمة فتستمعون ومن ثَمّ تغفلون عن شكره، وهذا النقاش كله حول من هو في أصله شاكر.
اتفقنا أن الناس انقسموا قسمين:
o ناس يشعرون بالنعم.💥
o ناس يجحدون النعم، لا يوجد في💥 قلوبهم💥 شعور أن هناك نعمة، ودائما يكلموك عن أن هناك نقص.
ثم من يشعرون أن هناك نعمة ينقسمون إلى قسمين:
قسم ينسب النعمة لغير الله ومن ثم💥 يشكر غير الله. 💥o وقسم ينسب النعمة لله ثم يشكر الله

من ينسب النعمة لله أيضا ينقسم إلى قسمين في شكره:                             
o قسم قليل ما يشكر.
o قسم منّ الله -عز وجل- عليه فكان من الشاكرين.

⭐ما هو العلم الذي إذا دخل إلى القلب يكون سببا لأكون من الشاكرين لله شكرا كثيرا؟
بمعنى: ما هو العلم الذي إذا دخل إلى القلب شعرت فيه بالنعمة دائما ونسبتها إلى الله ثم وقع في قلبي العرفان، بل العجز عن الثناء عليه سبحانه وتعالى، فأكثر اللسان من الثناء وعجز القلب عن ذلك؟
• نحتاج أن نجمع بين ثلاثة أنواع من العلم:
💥العلم الأول: العلم بحقيقة النفس، وحقيقة فقرها، وحقيقة عجزها ونقصها، إلى آخر مالها من صفات.
وهذا علم يجب أن لا ينفك، لابد أن نبقى نذكّر نفسنا دائما بفقرنا، ولا ينفع في هذا الباب مجرد الكلام العام بل لابد من الأدلة والنصوص ولابد من الانتفاع بلحظات الفقر والعجز، ولابد من تذكير النفس بها.
وهذا العلم له عدة موارد:
- مورد النصوص الشرعية
- مورد الحياة اليومية التي أعيشها
- مورد العبرة بما مضى من حياة الخلق.
💥العلم الثاني: هو العلم به سبحانه وتعالى وبكمال صفاته.
فإن الجاهل من المؤكد أنه لن يكون شاكرا، فلا تتصور شخص جاهل بالله يمكن أن يكون حقيقة ًشاكر لله، ربما وقع منه الشكر لكن ليس كما ينبغي، وإن كنا جميعا نشترك أننا لا نحصي ثناء عليه، لكن الجاهل تراه يناقض شكره في لحظتها، في لحظتها يكون شخصا آخرا، يشكر بلسانه ثم تراه ينقض شكره على الفور.
💥العلم الثالث: ملاحظة تدبير الله وتغير الأحوال، التي نسميها (الاعتبار).
والاعتبار في الغالب يكون بما قصّه الله -عز وجل- علينا من أحوال 
الأمم (الشاكرين، الكافرين..)، وبما مر علينا من أحوال الناس، فأنت ترى شاكرا زيد له بسبب شكره، وترى بطرانا أكثر من التعييب في نعمة الله -عز وجل- وترى كيف أُخذت النعمة منه، فلابد من الاعتبار من أجل أن تسلك مسلك الشاكرين.
👆كم عشنا مواقف مع أنفسنا ومع الناس؛ ذُكرت لهم نعمة فأظهروا الاستغناء عنها أو أظهروا بغضها فرأيناهم بعد سنين يبكون على ما جنوا بألسنتهم، وبما قام في قلوبهم! ومع هذا كله الذي تراه مكررا، أيضا ترى آثار رحمة ربك، وترى آثار حلمه سبحانه وتعالى ولطفه بخلقه.
إذن اتفقنا على تفريعات أوصلتنا لهذه النقطة :
الشكر في الأصل عمل قلبي، يضعف يكون قليلا أو يقوى فيصبح كثيرًا، أو لا يكون موجودًا فيصبح صاحبه جاحدًا.
الشكر لابد أن يتبعه مشكور، فقلوب تشكر الله -عز وجل-، وقلوب تشكر غيره، هذه أيضا نقطة فيها إشكال يعيشها ناس كثيرين!
نريد قلبًا شديد الحساسية للنعم، فإذا اشتدت حساسيته انتقل من الإحساس بالنعمة إلى سرعة نسبتها إلى الله، فإذا وجد عنده السرعة في نسبة النعمة إلى الله لابد أن يلهج قلبه ولسانه وجوارحه بشكر الله، وعلى هذا لو نظرت مرة أخرى، ستجد هناك مشاعر شكر عند الخلق لكن لا يوجد شدة حساسية للنعم، فهناك موت للإحساس، في أحيان كثيرة أنت تحتاج أن تقوم بعملية إنعاش للقلب من أجل أن يشعر بالنعمة! فالقلوب مَوات في الشعور بالنعم.
ولذلك تسمع ألسنة في غاية القبح في ذكر النعمة على أنها نقمة، وهذا أكثر شيء يحتاج منا إلى تنشيط، وهذا عمل يخص كل شخص فينا، أن ينهض إلى قلبه فينشط فيه فيذوّب فيه الجمود والجليد، البرود الحاصل اتجاه نعم الله -عز وجل-،

غدا باذن الله الجزء الثاني 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق