سورة البقرة من الآية (35) إلى الآية (36)

سورة البقرة من الآية (35) إلى الآية (36) 

ـ فضيلة الشيخ د. محمد الربيعة

 

 نستكمل مع الآيات

ثم قال الله : ) وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ (
 وهذه هي الفضيلة الرّابعة وهي إسكانُه الجنّة بعد الخلافة والعلم وسجود الملائكة ،
 التي هي دار النّعيم له ولذُّريّته بعد خلافته .

وما الحكمة من إسكانه الجنّة ولم يَكتُب الله له فيها الخُلود ؟
أنّه يريد سبحانه وتعالى وله الحكمة يُوطّأ لهم أنّ هذا جزاءكم بعد الاستخلاف ، وأنّ هذا نعيمكم إن قمتم بالخلافة على أكمل وجه ، فكأنّه أراد أن يُطلِعَهم على جزائهم وثمرة عملهم ممّا يدعوهم إلى العمل والامتثال والقيام بأمر الخِلافة كما أمرهم الله عزّ وجل .
ثمّ قال الله : ) يَا آَدَمُ ( وهذا فيه تشريفٌ له باسمه ، ثم قال : ) اسْكُنْ ( ولم يقل: ( اُدخل )
 وما الفرق بين اُسكُن واُدخُل ؟
اُسكُن يفيد الدُّخول وزيادة ، وهو التمّكُن في دخوله وسَكنِه .
ثمّ قال الله : ) وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا ( والتعبير بقوله : ( كُلَا ) هذا فيه تعداد نّعم التنّعم وفيه مزيد إكرام ،
 ولذلك قال : ) رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا ( وما معنى الرَغَد ؟
الرَّغَد يتضَّمن معنيين :
المعنى الأوّل : الهنيء الذّي لا عناء فيه .
والمعنى الثّاني : والواسع الكثير , هنيءٌ واسعٌ وكثير .
فهو سبحانه وتعالى أتاح لآدم كلَّ شيء هنيئاً واسعاً ، هيّناً يسيراً حصوله عليه ، بخلاف ما جاء في الأعراف فلم يأتي لفُظ الرّغد لماذا ؟
لأنَّ السِّياق هناك في ذكر الأحوال فقط ، أمّا هنا في تَعَدُّد وتِعداد النّعم وبيان الفضل .
قال الله - عزّ وجل - : ) وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ ( في هذه الجملة دليلٌ على أنّ آدم لا يدوم في الجنّة لأنّ المُخَلّد في الشَّيء لا يُناسَب أن يُحظر عنه شيء أو يُقيّد أو يُنهى عن شيء ، لأنّه احتمال أن ينال منه ، أو يَطعم منه فيُخرج من الجنّة وهو ما كان من آدم عليه السّلام حين أراد الله ذلك ، فقوله : ) وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ ( دليلٌ على أنّه لن يُخلّد في سكنه الأوّل .
وفي قوله : ) وَلَا تَقْرَبَا ( أيُّـها الإخوة لطيفة مُهمّة وعظيمة وهي أنَّ النَّهي عن القُرب فقال : ) وَلَا تَقْرَبَا ( ولم يقل : ( ولا تأكُلا ) دليلٌ على أنّ الإنسان ينبغي أن يحذر من المُحرَّمات في قُربانه منها ، ولذلك قال الله عزّ وجل: ) وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا (  وكما قال النَّبي صلى الله عليه وسلّم : ( إِنَّ الْحَلاَلَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ ) .
فلا شكَّ أن الإنسان إذا اقترب من الحرام شيئاً بدرجة يُوشك أن يقع ، وهذا يجعلنا نقول ينبغي للإنسان أن يحتاط لنفسه ولأهله في قُربان ما فيه احتمال وقوعهم في الحرام ، وأنتم تَرَون أيُّها الإخوة أنّ الإنسان مجبولٌ على الطّمع والتَزَوّد من الشّيء ، فإذا دخل في شيء تزوَّدَ منه ورُبّما وقع في المحظور منه .
وفيه حظر شجرة واحدة على آدم وتوسيع الحلَال عليه ، فيه فائدة لَطيفة أيضاً وهي أنّ الله عزّ وجل يُشعِرُنا بأنَّ التَّكليف فيه كَفٌّ للنّفس عن المرغوب ابتداءً وامتحاناً ، وأنّ هذا المنهي عنه في التّكليف فيما يُكلّفنا الله به هو يَسير مُقارنةً بما أحلَّه الله لنا , ما أحلّه الله لنا واسع ، وما حرّمه الله لنا محصور . ,وهذا من فضل الله عزّ وجل علينا أنّه لم يجعل المحرّم
قال الله عزّ وجل : ) فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ( هذه الآية في إظهار عداوة إبليس لآدم ، بكونه السَّبب في زلّته وإخراجه من الجنّة ، واهباطه إلى الأرض وفي هذا تحذيرٌ ظاهرٌ لآدم وذُريّته من إبليس وذُريّته بكونه هو العدوّ ، العدوّ الأوّل له ولذّريته في الدُّنيا , هذا هو المقصود أن نُدرِك أنّ إبليس هو السَّبب في خُروج أبينا من الجنّة فإذا علمنا ذلك اتَّخذناهُ عدوّاً كما قال الله عزّ وجل .
ولاحِظوا التّعبير بقوله ) فَأَزَلَّهُمَا ( ما معنى أزَلَّهُما ؟!
أنّها تُفيدُ أنّهُ أوقَعُهُما من غير قصدٍ وتعمُّد , لم يتعمّد آدم عليه السَّلام الوقوع في أكل الشَّجرة ، وإنّما أوقعه إبليس بالتَّدريج ) إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ ( ) هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى (  وأشار إليه بأنّك إذا أكلت من هذه الشّجرة ستكون من الملائكة ، وإنّما حَظَر الله تعالى عنك هذه الشجرة أنّك لو أكلت لَخُلدتَ فيها .
انظروا كيف يوسوس الشَّيطان لآدم وبَنيه بأنّ يُظهر له المظهر بصُورةٍ تُغريه بوقوعه في الحرام .
قال الرَّاغب الأصفهاني : ( الزَّلة في الأصل استرسال الرِّجل من غير قَصد ، زلَّ يعني استرسلت رِجله من غَيرِ قصد . وقِيل للذَّنب من غير قصدٍ زلّة تشبيهاً بزَللِ الرِّجل )
وفي تعبير بالإزلال ما يُفيد سُرعة إيقاع إبليس لآدم وذُرِّيته في المعصية بطريق الإغراء والتَّزيين والوسوسة
في هذا ما يُبيّن أيّها الإخوة سبيل الشيطان في إغوائنا وإيقاعنا في المعاصي فينبغي أن نحذر منه ومن وسوسته وإزلاله .
ثم قال الله عزّ وجل : ) وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ( لم يأتي النّداء هنا لآدم ، لم يقل يا آدم اِهبط ، لأنَّ النِّداء هنا ليس تشريف فلذلك الله عزّ وجل لم يَنُصَّ عليه ويُنادِيه باسمه ،
 وإنّما قال : ) قُلْنَا اهْبِطُوا ( فيدخل في ذلك آدم وحوّاء وإبليس .
قال الله : ) قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى ( وهذا التّكليف ) فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى ( فالتكليف هو الهدى وهو ما أُمرنا به في أوّل السُّورة في قوله : ) هُدًى لِلْمُتَّقِينَ ( فانظروا كيف يتتابع الكلام في قضيّة الهُدى .
ثمّ قال الله عزّ وجل : ) وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ( ماذا نستفيد من هذه الجُملة ؟
أنَنّا في هذه الأرض لسنا على دوام وخُلود وأنّ متاعَ الدُّنيا زائل قال : ) يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآَخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ ( فالله تعالى يُشير إلى أنّ في هذه الدُّنيا متاعٌ إلى حين , فالمتاع في هذه الحياة مُنقَطِعٌ لا محالة وها نحنُ نرى بني آدم ينقطِعُون عن متاعهم في الدُّنيا جِيلاً بعد جيل .
 يتبع بإذن الله تعالي 





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق