سلسله فوائد الذكر
8
في
صحيح البخاري عن أبي موسى عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال
مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت وفي الصحيحين عن أبي هريرة
قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )
يقول الله تبارك وتعالى انا عند ظن عبدي بي وانا معه اذا ذكرني فان ذكرني في نفسه
ذكرته في نفسي وان ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم وان تقرب الي شبرا تقربت
اليه ذرعا وان تقرب الي ذرعا تقربت منه باعا واذا اتاني يمشي اتيته هرولة
تابع فوائد الذكر
الحادية والثلاثون انه ايسر العبادات وهو
من اجلها وافضلها فان حركة اللسان اخف حركات الجوارح وايسرها ولو تحرك عضو من
الانسان في اليوم والليلة بقدر حركة لسانه لشق عليه غاية المشقة بل لا يمكنه ذلك
الثانية والثلاثون انه غراس الجنة فقد روي الترمذي في جامعه من حديث عبد الله بن
مسعود قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لقيت ليلة اسري بي
ابراهيم الخليل عليه السلام فقال يا محمد
اقرئ امتك السلام واخبرهم ان الجنة طيبة التربة عذبة الماء وانها قيعان وان غراسها
سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر قال الترمذي حديث حسن غريب من
حديث ابن مسعود
وفي الترمذي من حديث أبي الزبير عن جابر عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال
من قال سبحان الله وبحمده غرست له نخله في الجنة قال الترمذي حديث حسن صحيح
الثالثة والثلاثون ان العطاء والفضل الذي رتب عليه لم يرتب على غيره من الاعمال
ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال
من قال لا اله الا الله وحده لاشريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير في
يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت
له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي و لم يات أحد بافضل مما جاء به الا رجل عمل
اكثر منه ومن قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه وان كانت مثل زبد
البحر وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لان
اقول سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر احب الي مما طلعت عليه
الشمس
وفي الترمذي من حديث انس ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال
من قال حين يصبح أو يمسي اللهم اني اصبحت اشهدك واشهد حملة
عرشك وملائكتك وجميع خلقك انك انت الله لا اله الا انت وان محمدا عبدك ورسولك اعتق
الله ربعه من النار ومن قالها مرتين اعتق الله نصفه من النار ومن قالها ثلاثا اعتق
الله ثلاثة ارباعه من النار ومن قالها اربعا اعتقه الله تعالى من النار وفيه عن
ثوبان ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال
من قال حين يمسي واذا اصبح رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد ( صلى الله عليه
وسلم ) رسولا كان حقا على الله ان يرضيه وفي الترمذي من دخل السوق فقال لا اله الا
الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو
على كل شئ قدير كتب الله له الف الف حسنة ومحا عنه الف الف سيئة ورفع له الف الف
درجة
الرابعة والثلاثون ان دوام ذكر الرب تبارك وتعالى يوجب الامان من نسيانه الذي هو
سبب شقاء العبد في معاشه ومعاده فان نسان الرب سبحانه وتعالى يوجب نسيان نفسه
ومصالحها قال تعالى ) ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم
الفاسقون ( واذا نسي العبد نفسه اعرض عن مصالحها ونسيها واشتغل عنها فهلكت وفسدت
ولا بد كمن له زرع أو بستان أو ماشية أو غير ذلك ومما صلاحه وفلاحه بتعاهده
والقيام عليه فأهمله ونسيه واشتغل عنه بغيره وضيع مصالحه فانه يفسد ولابد هذا مع
امكان قيام غيره مقامه فيه فكيف الظن بفساد نفسه وهلاكها وشقائها اذا اهملها
ونسيها واشتغل عن مصالحها وعطل مراعاتها وترك القيام عليها بما يصلحها فما شئت من
فساد وهلاك وخيبة وحرمان وهذا هو الذي صار امره كله فرطا فانفرط عليه امره وضاعت
مصالحه واحاطت به اسباب القطوع والخيبة والهلاك
ولاسبيل إلى الامان من ذلك الا بدوام ذكر الله تعالى واللهج به وان لا يزال اللسان
رطبا به وان يتولى منزلة حياته التي لا غنى له عنها و منزلة غذائه الذي اذا فقده
فسد جسمه وهلك وبمنزلة الماء عند شدة العطش وبمنزلة اللباس في الحر والبرد وبمنزلة
الكن في شدة الشتاء والسموم
فحقيق بالعبد ان ينزل ذكر الله منه بهذه المنزلة واعظم فاين هلاك الروح
والقلب وفسادهما من هلاك البدن وفساده
هذا هلاك لا بد منه وقد يعقبه صلاح لا بد واما هلاك القلب
والروح فهلاك لا يرجى معه صلاح ولا فلاح ولا حول ولا قوة
الا بالله العلي العظيم في فوائد الذكر وادامته الا هذه الفائدة وحدها لكفي بها
فمن نسي الله تعالى انساه نفسه في الدنيا ونسيه في العذاب يوم القيامة قال تعالى )
ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني
أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى ( أي تنسى في
العذاب كما نسيت اياتي فلم تذكرها ولم تعمل بها واعراضه عن ذكره يتناول اعراضه عن
الذكر الذي انزله وهو ان يذكر الذي انزله في كتابه وهو المراد بتناول اعراضه عن ان
يذكر ربه بكتابه واسمائه وصفاته واوامره والائه ونعمه فان هذه كلها توابع اعراضه
عن كتاب ربه تعالى فان الذكر في الاية اما مصدر مضاف إلى الفاعل أو مضاف اضافة
الاسماء المحضة اعرض عن كتابي ولم يتله ولم يتدبره ولم يعمل به ولا فهمه فان حياته
ومعيشته لا تكون الا مضيقة عليه منكده معذبا فيها
والضنك الضيق والشدة والبلاء ووصف المعيشة نفسها بالضنك مبالغة وفسرت هذه المعيشة
بعذاب البرزخ والصحيح انها تتناول معيشته في الدنيا وحاله في البرزخ فانه يكون في
ضنك في الدارين وهو شدة وجهد وضيق وفي الاخرة تنسى في العذاب وهذا عكس اهل السعادة
والفلاح فان حياتهم في الدنيا اطيب الحياة ولهم في البرزخ وفي الاخرة افضل الثواب
قال تعالى ) من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ( فهذا في
الدنيا ثم قال ولنجزيهم اجرهم باحسن ما كانوا يعملون فهذا في البرزخ والاخرة وقال
تعالى ) والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولأجر
الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون (
وقال تعالى ) وأن استغفروا ربكم ثم توبوا
إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله ( فهذا في الاخرة وقال
تعالى قل يا عبادي الذين امنوا اتقوا ربكم للذين احسنوا في هذه الدنيا حسنة و ارض
الله واسعة انما يوفي الصابرون اجرهم بغير حساب فهذه اربعة مواضيع ذكر تعالى فيها
انه يجزي المحسن باحسانه جزاءين جزاء في الدنيا وجزاء في الاخرة
فالاحسان له جزاء معجل ولا بد والإساءة لها جزاء معجل ولابد ولو لم يكن الا ما
يجازي به المحسن من انشراح صدوره في انفساح قلبه وسروره ولذاته بمعاملة ربه عز وجل
وطاعته وذكره ونعيم روحه بمحبته
وذكره وفرحه بربه سبحانه وتعالى اعظم مما يفرح القريب من السلطان الكريم عليه
بسلطانه وما يجازي به المسئ من ضيق الصدر وقسوة القلب وتشتته وظلمته وحزازاته وغمه
وهمه وحزنه وخوفه وهذا امر لايكاد من له ادنى حس وحياة يرتاب فيه بل الغموم
والهموم والاحزان والضيق عقوبات عاجلة ونار دنيوية وجهنم حاضرة والاقبال على الله
تعالى والانابة اليه والرضاء به وعنه وامتلاء القلب من محبته واللهج بذكره والفرح
والسرور بمعرفته ثواب عاجل وجنة وعيش لا نسبة لعيش الملوك
اليه البته
وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول ان في الدنيا جنة من لم يدخلها لا
يدخل جنة الاخرة وقال لي مرة ما يصنع اعدائي بي انا جنتي وبستاني في صدري ان رحت
فهي معي لا تفارقني ان حبسي خلوة وقتلي شهادة واخراجي من بلدي سياحة وكان يقول في
محبسه في القلعة لو بذلت ملء هذه القلعة ذهبا ما عدل عندي شكر هده النعمة او
قال ما جزيتهم على ما تسببوا لي فيه من الخير ونحو هذا وكان
يقول في سجوده وهو محبوس اللهم اعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ما شاء الله وقال
لي مرة المحبوس من حبس قلبه عن ربه تعالى والماسور من اسره هواه ولما دخل إلى القلعة
وصار داخل سورها نظر اليه وقال ) فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره
من قبله العذاب ( وعلم الله ما رايت احدا اطيب عيشا منه قط مع كل ما كان فيه من
ضيق العيش وخلاف الرفاهية والنعيم بل ضدها ومع ما كان فيه من الحبس والتهديد
والارهاق وهو مع ذلك من اطيب الناس عيشا وأشرحهم صدرا واقواهم قلبا واسرهم نفسا
تلوح نضرة النعيم على وجهه وكنا اذا اشتد بنا الخوف وساءت منا الظنون وضاقت بنا
الأرض اتيناه فما هو الا ان نراه ونسمع كلامه فيذهب ذلك كله وينقلب انشراحها وقوة
ويقينا وطمأنينة فسبحان من اشهد عباده جنته قبل لقائه وفتح لهم ابوابها في دار
العمل فاتاهم من روحها ونسيمها وطيبها ما استفرغ قواهم لطلبها والمسابقة اليها
وكان بعض العارفين يقول لو علم الملوك وابناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه
بالسيوف وقال اخر مساكين اهل الدنيا خرجوا منها وما ذاقوا اطيب ما فيها قيل و ما
اطيب ما فيها قال محبة الله تعالى ومعرفته وذكره أو نحو هذا وقال اخر انه لتمر
بالقلب اوقات يرقص فيها طربا وقال اخر انه لتمر بي اوقات اقول ان كان اهل الجنة في
مثل هذا انهم لفي عيش طيب
فبمحبة الله تعالى ومعرفته ودوام ذكره والسكون اليه والطمانينة اليه وافراده بالحب
والخوف والرجاء والتوكل والمعاملة بحيث يكون هو وحده المستولي على هموم العبد و
عزماته وإرادته هو جنة الدنيا والنعيم الذي لا يشبهه نعيم وهو قرة عين المحبين
وحياة العارفين وانما تقر عيون الناس به على حسب قرة اعينهم بالله عز وجل فمن قرت
عينه بالله قرت به كل عين ومن لم تقر عينه
بالله تقطعت نفسه على الدنيا حسرات
وانما يصدق هذا من قلبه حياة واما ميت القلب فيوحشك ما له ثم فاستأنس بغيبته ما
امكنك فانك لا يوحشك الا حضوره عندك فإذا ابتليت به فاعطه ظاهرك وترحل عنه بقلبك
وفارقه بسرك ولا تشغل به عما هو اولى بك واعلم ان الحسرة كل الحسرة الاشتغال بمن
لا يجر عليك الاشتغال به الا فوت نصيبك وحظك من الله عز وجل وانقطاعك عنه وضياع
وقتك وضعف عزيمتك وتفرق همك
فإذا بليت بهذا ولا بد لك منه فعامل الله تعالى فيه واحتسب عليه ما امكنك وتقرب إلى
الله تعالى بمرضاته فيه واجعل اجتماعك به متجرا لك لا تجعله خسارة وكن معه كرجل
سائر في طريقه عرض له رجل وقفه عن سيره فاجتهد ان تاخده معك وتسير به فتحمله ولا
يحملك فان أبي ولم يكن في سيره مطمع فلا تقف معه بلا ركب الدرب ودعه ولاتلتفت اليه
فانه قاطع الطريق ولو كان من كان فانج بقلبك وضن بيومك وليلتك لاتغرب عليك الشمس
قبل وصول المنزلة فتؤخذ أو يطلع الفجر اني لك بلماقهم
الخامسة والثلاثون ان الذكر يسير العبد هو في فراشه وفي
سوقه وفي حال صحته وسقمه وفي حال نعيمه
ولذته وليس شئ يعم الاقات والاحوال مثله حتى يسير العبد وهو نائم على فراشه فيسبق
القائم مع الغفلة فيصبح هذا وقد قطع الركب وهو مستلق على فراشه ويصبح ذلك الغافل
في ساقه الركب وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء
وحكى عن رجل من العباد انه نزل برجل ضيفا فقام العابد ليلة يصلي وذلك الرجل مستلق
على فراشه فلما اصبحا قال له العابد سبقك الركب أو كما قال فقال ليس الشان فيمن
بات مسافرا واصبح مع الركب الشان فيمن بات على فراشه واصبح قد قطع الركب
وهذا ونحوه له محمل صحيح ومحمل فاسد فمن حكم على ان الراقد المضطجع على فراشه يسبق
القائم القانت فهو باطل وانما محمله ان هذا المستلقي على فراشه علق بربه عز وجل
والصق حبه قلبه بالعرش وبات قلبه يطوف حول العرش مع الملائكة قد غاب عن الدنيا ومن
فيها وقد عاقه عن قيام الليل عائق من وجع أو برد يمنعه القيام أو خوف على نفسه من
رؤية عدو يطلبه أو غير ذلك من الاعذار فهو مستلق على فراشه وفي قلبه ما الله تعالى
به عليم واخر قائم يصلي ويتلوا وفي قلبه من الرياء والعجب وطلب الجاه والمحمدة عند
الناس ما الله به عليم أو قلبه في واد وجسمه في واد فلا ريب ان ذلك الراقد يصبح
وقد سبق هذا القائم بمراحل كثيرة فالعمل على القلوب لا على الابدان والمعول على
الساكن ويهيج الحب المتواري ويبعث الطلب الميت الذكر وحقيقة النور الالهي
يتبع
الثانية والثلاثون انه غراس الجنة فقد روي الترمذي في جامعه من حديث عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لقيت ليلة اسري بي
وفي الترمذي من حديث أبي الزبير عن جابر عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال
من قال سبحان الله وبحمده غرست له نخله في الجنة قال الترمذي حديث حسن صحيح
الثالثة والثلاثون ان العطاء والفضل الذي رتب عليه لم يرتب على غيره من الاعمال ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال
من قال لا اله الا الله وحده لاشريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي و لم يات أحد بافضل مما جاء به الا رجل عمل اكثر منه ومن قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه وان كانت مثل زبد البحر وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لان اقول سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر احب الي مما طلعت عليه الشمس
وفي الترمذي من حديث انس ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال
من قال حين يمسي واذا اصبح رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد ( صلى الله عليه وسلم ) رسولا كان حقا على الله ان يرضيه وفي الترمذي من دخل السوق فقال لا اله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شئ قدير كتب الله له الف الف حسنة ومحا عنه الف الف سيئة ورفع له الف الف درجة
الرابعة والثلاثون ان دوام ذكر الرب تبارك وتعالى يوجب الامان من نسيانه الذي هو سبب شقاء العبد في معاشه ومعاده فان نسان الرب سبحانه وتعالى يوجب نسيان نفسه ومصالحها قال تعالى ) ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون ( واذا نسي العبد نفسه اعرض عن مصالحها ونسيها واشتغل عنها فهلكت وفسدت ولا بد كمن له زرع أو بستان أو ماشية أو غير ذلك ومما صلاحه وفلاحه بتعاهده والقيام عليه فأهمله ونسيه واشتغل عنه بغيره وضيع مصالحه فانه يفسد ولابد هذا مع امكان قيام غيره مقامه فيه فكيف الظن بفساد نفسه وهلاكها وشقائها اذا اهملها ونسيها واشتغل عن مصالحها وعطل مراعاتها وترك القيام عليها بما يصلحها فما شئت من فساد وهلاك وخيبة وحرمان وهذا هو الذي صار امره كله فرطا فانفرط عليه امره وضاعت مصالحه واحاطت به اسباب القطوع والخيبة والهلاك
ولاسبيل إلى الامان من ذلك الا بدوام ذكر الله تعالى واللهج به وان لا يزال اللسان رطبا به وان يتولى منزلة حياته التي لا غنى له عنها و منزلة غذائه الذي اذا فقده فسد جسمه وهلك وبمنزلة الماء عند شدة العطش وبمنزلة اللباس في الحر والبرد وبمنزلة الكن في شدة الشتاء والسموم
فحقيق بالعبد ان ينزل ذكر الله منه بهذه المنزلة واعظم فاين هلاك الروح
والضنك الضيق والشدة والبلاء ووصف المعيشة نفسها بالضنك مبالغة وفسرت هذه المعيشة بعذاب البرزخ والصحيح انها تتناول معيشته في الدنيا وحاله في البرزخ فانه يكون في ضنك في الدارين وهو شدة وجهد وضيق وفي الاخرة تنسى في العذاب وهذا عكس اهل السعادة والفلاح فان حياتهم في الدنيا اطيب الحياة ولهم في البرزخ وفي الاخرة افضل الثواب
قال تعالى ) من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ( فهذا في الدنيا ثم قال ولنجزيهم اجرهم باحسن ما كانوا يعملون فهذا في البرزخ والاخرة وقال تعالى ) والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون (
فالاحسان له جزاء معجل ولا بد والإساءة لها جزاء معجل ولابد ولو لم يكن الا ما يجازي به المحسن من انشراح صدوره في انفساح قلبه وسروره ولذاته بمعاملة ربه عز وجل وطاعته وذكره ونعيم روحه بمحبته
وذكره وفرحه بربه سبحانه وتعالى اعظم مما يفرح القريب من السلطان الكريم عليه بسلطانه وما يجازي به المسئ من ضيق الصدر وقسوة القلب وتشتته وظلمته وحزازاته وغمه وهمه وحزنه وخوفه وهذا امر لايكاد من له ادنى حس وحياة يرتاب فيه بل الغموم والهموم والاحزان والضيق عقوبات عاجلة ونار دنيوية وجهنم حاضرة والاقبال على الله تعالى والانابة اليه والرضاء به وعنه وامتلاء القلب من محبته واللهج بذكره والفرح
وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول ان في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الاخرة وقال لي مرة ما يصنع اعدائي بي انا جنتي وبستاني في صدري ان رحت فهي معي لا تفارقني ان حبسي خلوة وقتلي شهادة واخراجي من بلدي سياحة وكان يقول في محبسه في القلعة لو بذلت ملء هذه القلعة ذهبا ما عدل عندي شكر هده النعمة او
وكان بعض العارفين يقول لو علم الملوك وابناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف وقال اخر مساكين اهل الدنيا خرجوا منها وما ذاقوا اطيب ما فيها قيل و ما اطيب ما فيها قال محبة الله تعالى ومعرفته وذكره أو نحو هذا وقال اخر انه لتمر بالقلب اوقات يرقص فيها طربا وقال اخر انه لتمر بي اوقات اقول ان كان اهل الجنة في مثل هذا انهم لفي عيش طيب
فبمحبة الله تعالى ومعرفته ودوام ذكره والسكون اليه والطمانينة اليه وافراده بالحب والخوف والرجاء والتوكل والمعاملة بحيث يكون هو وحده المستولي على هموم العبد و عزماته وإرادته هو جنة الدنيا والنعيم الذي لا يشبهه نعيم وهو قرة عين المحبين وحياة العارفين وانما تقر عيون الناس به على حسب قرة اعينهم بالله عز وجل فمن قرت عينه بالله قرت به كل عين ومن لم تقر عينه
وانما يصدق هذا من قلبه حياة واما ميت القلب فيوحشك ما له ثم فاستأنس بغيبته ما امكنك فانك لا يوحشك الا حضوره عندك فإذا ابتليت به فاعطه ظاهرك وترحل عنه بقلبك وفارقه بسرك ولا تشغل به عما هو اولى بك واعلم ان الحسرة كل الحسرة الاشتغال بمن لا يجر عليك الاشتغال به الا فوت نصيبك وحظك من الله عز وجل وانقطاعك عنه وضياع وقتك وضعف عزيمتك وتفرق همك
فإذا بليت بهذا ولا بد لك منه فعامل الله تعالى فيه واحتسب عليه ما امكنك وتقرب إلى الله تعالى بمرضاته فيه واجعل اجتماعك به متجرا لك لا تجعله خسارة وكن معه كرجل سائر في طريقه عرض له رجل وقفه عن سيره فاجتهد ان تاخده معك وتسير به فتحمله ولا يحملك فان أبي ولم يكن في سيره مطمع فلا تقف معه بلا ركب الدرب ودعه ولاتلتفت اليه فانه قاطع الطريق ولو كان من كان فانج بقلبك وضن بيومك وليلتك لاتغرب عليك الشمس قبل وصول المنزلة فتؤخذ أو يطلع الفجر اني لك بلماقهم
الخامسة والثلاثون ان الذكر يسير العبد هو في فراشه وفي
وحكى عن رجل من العباد انه نزل برجل ضيفا فقام العابد ليلة يصلي وذلك الرجل مستلق على فراشه فلما اصبحا قال له العابد سبقك الركب أو كما قال فقال ليس الشان فيمن بات مسافرا واصبح مع الركب الشان فيمن بات على فراشه واصبح قد قطع الركب
وهذا ونحوه له محمل صحيح ومحمل فاسد فمن حكم على ان الراقد المضطجع على فراشه يسبق القائم القانت فهو باطل وانما محمله ان هذا المستلقي على فراشه علق بربه عز وجل والصق حبه قلبه بالعرش وبات قلبه يطوف حول العرش مع الملائكة قد غاب عن الدنيا ومن فيها وقد عاقه عن قيام الليل عائق من وجع أو برد يمنعه القيام أو خوف على نفسه من رؤية عدو يطلبه أو غير ذلك من الاعذار فهو مستلق على فراشه وفي قلبه ما الله تعالى به عليم واخر قائم يصلي ويتلوا وفي قلبه من الرياء والعجب وطلب الجاه والمحمدة عند الناس ما الله به عليم أو قلبه في واد وجسمه في واد فلا ريب ان ذلك الراقد يصبح وقد سبق هذا القائم بمراحل كثيرة فالعمل على القلوب لا على الابدان والمعول على الساكن ويهيج الحب المتواري ويبعث الطلب الميت الذكر وحقيقة النور الالهي
يتبع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق