سلسله فوائد الذكر 9

سلسله فوائد الذكر 

9

تابع فوائد الذكر
السادسة والثلاثون ان الذكر نور للذاكر في الدنيا ونور له في قبره ونور له في معاده يسعى بين يديه على الصراط فما استنارت القلوب والقبور

بمثل ذكر الله تعالى قال الله تعالى اومن كان ميتا فاحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها فالاول هو المؤمن استنار بالايمان بالله ومحبته ومعرفته وذكره والاخر هو الغافل عن الله تعالى المعرض عن ذكره ومحبته والشان كل الشان والفلاح كل الفلاح في النور والشقاء كل الشقاء في فواته ولهذا كان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يبالغ في سؤال ربه تبارك وتعالى حين يسأله ان يجعله في لحمه وعظامه وعصبه وشعره وبشره وسمعه وبصره ومن فوقه ومن تحته وعن يمينه وعن شماله وخلفه وامامه حتى يقول واجعلني نورا فسال ربه تبارك وتعالى ان يجعل النور في ذراته الظاهرة والباطنة وان يجعله محيطا به من جميع جهاته وان يجعل ذاته وجملته نورا فدين الله عز وجل نور وكتابه نور ورسوله نور وداره التي اعدها لاوليائه نور يتلالا وهو تبارك وتعالى نور السماوات والأرض ومن اسمائه النور واشرقت الظلمات لنور وجهه وفي دعاء النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يوم الطائف
اعوذ بنور وجهك الذي اشرقت له الظلمات وصلح عليه امر الدنيا الاخرة ان يحل على غضبك أو ينزل بي سخطك لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة الا بك وقال ابن مسعود رضي الله عنه ليس عند ربكم ليل ولا نهار نور السماوات من نور وجهه ذكره عثمان الدارمي وقد قال تعالى ) وأشرقت الأرض بنور ربها ( فإذا جاء تبارك وتعالى يوم القيامة للفصل بين عباده واشرقت بنوره الأرض وليس اشراقها يومئذ بشمس ولا قمر فان الشمس تكور والقمر يخسف ويذهب نورهما وحجابه تبارك وتعالى النور
قال أبو موسى قام فينا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بخمس كلمات فقال

ان الله لا ينام يخفض القسط ويرفعه يرفع اليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل حجابه النور لو كشفه لاحرقت سبحات وجهه ما انتهى اليه بصره
من خلقه ثم قرأ ) أن بورك من في النار ومن حولها ( فاستناره ذلك الحجاب بنور وجهه ولولاه لاحرقت سبحات وجهه ونوره ما انتهى اليه بصره ولهذا لما تجلى تبارك وتعالى للجبل وكشف من الحجاب شيئا يسيرا ساخ الجبل في الأرض وتدكدك ولم يقم لربه تبارك وتعالى وهذا معنى قول ابن عباس في قوله سبحانه وتعالى ) لا تدركه الأبصار ( قال ذلك الله عز وجل اذا تجلى بنوره لم يقم له شئ وهذا من بديع فهمه رضي الله تعالى عنه ودقيق فطنته كيف وقد دعا له رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ان يعلمه الله التأويل فالرب تبارك وتعالى يرى يوم القيامة بالابصار عيانا ولكن يستحيل ادراك الابصار له وان راته فالادراك امر وراء الرؤية وهذه الشمس ولله المثل الاعلى نراها ولا ندركها كما هي عليه ولا قريبا من ذلك ولذلك قال ابن عباس لمن ساله واورد عليه ) لا تدركه الأبصار ( فقال الست ترى السماء قال بلى قال افتدركها قال لا قال فالله تعالى اعظم واجل


السابعة والثلاثون ان الذكر راس الاصول وطريق عامة الطائفة ومنشور الولاية فمن فتح له فيه فقد فتح له باب الدخول على الله عز وجل فليتطهر وليدخل على ربه عز وجل يجد عنده كل ما يريد فان وجد ربه عز وجل وجد كل شئ وان فاته ربه عز وجل فاته كل شئ
الثامنة والثلاثون في القلب خلة وفاقة لا يسدها شئ البته الا ذكر الله عز وجل فإذا صار شعار القلب بحيث يكون هو الذاكر بطريق الاصالة

واللسان تبع له فهذا هو الذكر الذي يسد الخله ويفني الفاقة فيكون صاحبه غنيا بلا مال عزيزا بلا عشيرة مهيبا بلا سلطان فإذا كان غافلا عن ذكر الله عز وجل فهو بضد ذلك فقير مع كثرة جدته ذليل مع سلطانه حقير مع كثرة عشيرته
التاسعة والثلاثون ان الذكر يجمع المتفرق و يفرق المجتمع ويقرب البعيد ويبعد القريب فيجمع ما تفرق على العبد من قلبه وارادته وهمومه وعزومه والعذاب كل العذاب في تفرقتها وتشتتها عليه وانفراطها له والحياة والنعيم في اجتماع قلبه وهمه وعزمه وارادته ويفرق ما اجتمع عليه من الهموم والغموم والاحزان والحسرات على فوت حظوظه ومطالبه ويفرق أيضا ما اجتمع عليه من ذنوبه وخطاياه واوزاره حتى تتساقط عنه وتتلاشى وتضمحل ويفرق ايضا ما اجتمع على حربه من جند الشيطان فان ابليس لا يزال يبعث له سرية وكلما كان اقوى طلبا لله سبحانه وتعالى وامثل تعلقا به وارادة له كانت السرية اكثف واكثر واعظم شوكة بحسب ما عند العبد من مواد الخير والارادة ولا سبيل إلى تفريق هذا الجمع الا بدوام الذكر
واما تقريبه البعيد فانه يقرب اليه الاخرة التي يبعدها منه الشيطان والامل فلا يزال يلهج بالذكر حتى كانه قد دخلها وحضرها فحينئذ تصغر في عينه الدنيا وتعظم في قلبه الاخرة ويبعد القريب اليه وهي الدنيا التي هي ادنى اليه من الاخرة فان الاخرة متى قربت من قلبه بعدت منه الدنيا كلما قربت منه هذه مرحلة بعدت منه هذه مرحلة ولا سبيل إلى هذا الا بدوام الذكر
الاربعون ان الذكر ينبه القلب من نومه ويوقظه من سنته والقلب اذا كان نائما فاتته الارباح والمتاجر وكان الغالب عليه الخسران فادا استيقظ وعلم ما فاته في نومته شد المئزر واحيا بقية عمره واستدرك ما فاته ولا تحصل يقظته الا بالذكر فان الغفلة نوم ثقيل
يتبع


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق