سورة البقرة من الآية (25) إلى الآية (29)



  فضيلة الشيخ د. محمد بن عبد الله الربيعة    

سورة البقرة من الآية (25) إلى الآية (29) 

نستكمل بعون وفضل من الله باقي الآيات من 25 الي 29



ثم انتقل إلى وعد كريم وبشراً كريمةً عظيمة من الله عز وجل في قوله بعد أن ذكر حال المكذّبين جاء بحال المؤمنين والله يا
إخواني تأملت القرآن فما وجدت الحقيقة بيان لآيات الجنة 
وعِظم جزاءها وكمالها مثل هذه الآية لماذا ؟ 
لأنها واردة في حال جزاء الكُمّل الّذين اهتدوا بالقرآن ، كما أن تلك في بيان حال المكذّبين ذكر الله تعالى هنا باختصار شديد حال أهل الجنة في تنعّمهم كامل التنعّم .
تأملوا معي كيف افتتح الله الآية بالتبشير ) بَشِّرِ ( أنت ولله المثل الأعلى ولكتابه أنت إذا أردت أن تُدخل السرور على إنسان مباشرة تقول أبشر لا تستفتح الكلام بأي كلام إلّا أبشر أبشرك , فالله سبحانه وتعالى افتتح الكلام لعباده المؤمنين بقوله مخاطباً نبيه بشّر المؤمنين ) بَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ( ففيه مزيد تكريم , و هذه الآية ذكرت كما ذكر ابن السعدي - رحمه الله – في تأملاته : 
( ذكر المُبشِّر ، والمُبشَّر , والمُبشَّر به , والسبب الموصل لهذه البشارة فمن هو المُبشِّر ؟  
هو النبي صلى الله عليه وسلم ,
 والمُبشَّر المؤمنون ,
 والمُبشَّر به الجنة ,
 والسبب الموصل لهذه البشارة العمل بالإيمان والعمل الصالح ) .
فكملت هنا أطراف البشارة كلها , فما أعظم هذه البشارة ,
 وما أعظم من حقق أسبابها وكان من أهلها 
, نسأل الله أن يجعلنا من أهلها جميعاً .
قال الله عز وجل : ) أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ ( قال : ) لَهُمْ ( إشعاراً بأن هذا مستقر لهم متحقق لهم , ثم جمع الجنات وجمع الجنات دال على عظمتها وتعدادها وفيه مزيد إكرام , ثم قال : ) جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ( وفي هذا إشارة إلى كمال صورتها وحسن منظرها ,
 يظهر ذلك من أمور أولاً : 
التعبير بلفظ تجري , ولا شك أن جريان الماء أفضل من ركوده ، فالماء الجاري أكمل وأنظر من الماء القار ففيه تجدد , ثم أيضاً قال ) مِنْ تَحْتِهَا ( زيادة لتحسين وصف الجنات وذلك أن أنهار الجنة تجري بين الجنان من غير أخدود من غير أخاديد وهذا أكمل محاسن الجنات وأفضلها .
قال الله عز وجل : ) كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ ( فيه بيان زيادة لذّتهم وفي أرزاقهم وتنوعها , ثم قال : ) أُتُوا بِهِ ( فهو النعيم يؤتى به لهم وليس هم يطلبونه بمشقة وطلب كما هو حال الدنيا 
, قال الله عز وجل : ) لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ ( وهذا مزيد إكرام من جهة تعدد اللذات وتكاملها 
, والتعبير بأزواج بدل زوجات لماذا ما قال زوجات ؟ 
 هنا لطيفة جميلة وهي إشارة إلى اختصاصهم بتلك الأزواج , وذلك لأن المراد بالأزواج القرناء من النساء اللّاتي تختص بالرجـل لا يشاركه فيها غيره , فعبّر بالأزواج دون الزوجـات , وفي ذلك مزيد إكـرام 
, ثم التعبير بـ ) مُطَهَّرَةٌ ( مما يدل على أنه مطهّرة من كل عيب وأذى حسي ومعنوي , 
ثم قال : ) وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ( فعبّر بخلودهم فيها وذلك فيه إزالة لتنغيص عليهم في تنعّمهم 
لئلا يظنوا أن هذا النعيم نعيم مؤقت أو محدود .
قال الله عز وجل : ) كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا ( فقط أريد أن أقف وقفة يسيرة مع هذه الآية )ما معنى هذا الكلام ؟ اختلف في هذه الآية المفسرون اختلافاًً طويلاً لكني أختصره بالقول الصحيح وهو أنهم كلما أوتي لهم بثمرة كانت هذه الثمرة مع أنها هي الثمرة أو هي أسم الثمرة , مثل أُتي بالرمّان هذا اليوم كان هذا الثمر أعظم لذّة وأكمل طعماً من الرمّان الذي أُتي من اليوم الذي قبله , فكل يوم يؤتى لهم بهذه الفاكهة أسمها هي أسم الأولى وشكلها هي شكل الأولى لكنَّ طعمها أكمل , وهذا سر من أسرار نعيم الجنة , أنَّ نعيمهم يزداد كل يوم لذّة الله أكبر , ما أعظم هذه الحال في كل يوم تزداد لذّتك في الجنة ,
بخلاف أهل الدنيا فأهل الدنيا حينما يأكلون الثمرة اليوم يتلذّذون بها , لكن لو أكلوها من غد كانت لذّتهم أقل وهكذا إذا اعتاد الإنسان على طعام في الدنيا ضعفت لذّته وشهوته , 
 ولذلك أهل الجنة في كل جمعة يزدادون جمالاً وبهاءً , فيذهبون في سوق الجمعة فتهب عليهم ريح الشمال فيزدادون بها حسناً وجمالاً , فيأتون إلى أهلهم فيقول أهلهم : ( لقد والله ازددتم حسناً وجمالا ) فيقولون هم لأهليهم : ( وأنتم والله لقد ازددتم حسناً وجمالاً ) هذا في كل جمعة نسأل الله الكريم من فضله أن يرزقنا هذا النعيم المقيم .
ثم أختم في الحديث في الآيات التي بعدها بحديث مختصر وهي قول الله عز وجل ) إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ( ما مناسبة هذه الآية ؟
مناسبتها أن الكافرين حينما دمغوا وتُحِدُّوا , وتحداهم الله عز وجل بالقرآن وأن يأتوا بمثله , ولم يكن لهم سبيل إلى ذلك لجئوا إلى ماذا ؟ لجئوا إلى الشبه والتنقص والحيل فقالوا كيف هذا القرآن يُضرب به الذباب ويضرب به العنكبوت مثلا وغيرها , كأنهم أرادوا أن يستنقصوا القرآن من حيث هذه الأمثال التي ضربها الله فيه , وإنما ضرب الأمثال هذه لمن ضربها الله عز وجل لآلهتهم , فقال الله عز وجل : ) إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ ( لأن هذه الأمثال تزيد الإيمان تزيد المؤمنين إيماناً , وهذا يفيدنا في علم علوم القرآن أن الأمثال لها فائدة عظيمة في القرآن وهي كثيرة أنها تزيد الإيمان , بحكم الله عز وجل بقوله هنا : ) فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا ( أي من المؤمنين ) يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا ( من الكافرين ) وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا ( من المؤمنين ) وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ ( أي الخارجين عن أمر الله وحدّه , ثم ذكر صفاتهم ) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ( وفي هذا إشارة للمشركين ولأهل الكتاب المعاندين لأنهم هم الّذين نقضوا أمر الله عز وجل , ثم ردّ الحديث بعد ذلك باستفهام قال : ) كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28) هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ( رد الكلام إلى الدعوة الأولى أليس قال : ) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ ( قال هنا : ) كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ (  بعد هذا البيان وهذا التفصيل وهذا الاستدلال والبرهان .
فبهذا يتبيّن لنا سياق هذه الآيات وتتابعها على هذا المعنى وسنتابع الحديث بإذن الله عز وجل
نسأل الله أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
يتبع بإذن الله تعالي 

[1] سورة البقرة 28 .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق