سورة البقرة من الآية (21) إلى الآية (24)



  فضيلة الشيخ د. محمد بن عبد الله الربيعة   

سورة البقرة من الآية (21) إلى الآية (24) 

 ننتقل إلى المقطع الثالث وهو من الآية 21 إلى الآية 29 .نبدا ب 4 آيات الأولي 

) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21)
 الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ
        مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22)
         وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ
          وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23)
              فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ
        الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24)
هذه الآيات جاءت بعد ذكر الطوائف الثلاث فكأنها دعوة لهم جميعاً ,
 ولذلك قال ) يَا أَيُّهَا النَّاسُ ( لأن هذه الدعوة يدخل فيها الكفار والمنافقون والمؤمنون قبل ذلك فدعاهم جميعاً إلى عبادة الله وحده إلى أن يؤمنوا بالله وحده
وتضمنت هذه الدعوة أصول الدين الحق , فتضمنت :
أولاً : توحيد الألوهية بعبادة الله وحده مع بيان موجبات هذه العبادة وهي آياته بتوحيد الربوبية .
ثانياً : تضمنت الإيمان بالقرآن وأنه حق لا ريب فيه .
ثالثاً : تضمنت الإيمان برسله أو برسوله المنزّل عليه هذا الكتاب وأنه عبد الله ونبيه .
رابعاً : تضمنت الإيمان بالجزاء الأخروي لأهل الكفر بالنار ولأهل الإيمان بالجنة .
هذه ما تضمنته هذه الآيات في قسمها الأول .
هنا سؤال وهو ما وجه تخصيص الآيات والنعم المذكورة في الآية ؟
خصص الله عز وجل في هذه الآية , الخلقة البشرية والبنيتان الأرضية والسماوية وما يخرج منهما من الثمرات من إنزال المطر وإخراج النبات ,لأنه محل الاعتبار بالبشر , وهو مواطن المنافع الظاهرة لهم , هذه أعظم منافع لهم , وبها يقوم الدليل الظاهر على وجود الله - عز وجل - وعلى قدرته .
ولو تأملنا سياق الآيات لظهر لنا حسن الانتظام في هذا التقريب ودقة التعبير من وجوه :
أولاً : ابتدأ بخلقهم لأنه سابقة أصول النعم عليهم , أعظم نعمة عليهم هي خلقهم ,
 ثم ثنّى بخلق الأرض التي هي مكانهم ومستقرّهم التي لابدَّ لهم منها ،
 ثم ثلّث بخلق السماء التي هي كالسقف الذي يُظلّهم 
 ثم ذكر بعد ذلك إنزال الماء من السماء للأرض والإخراج به من بطنها أي من بطن الأرض وهو أشبه بالنسل المنتج من الحيوان .
تأملوا كيف ابتدأ أوامر السورة بالأمر هنا بالعبادة هذا أول أمر , أول أمر في السورة ) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ ( لأن أول أمر جاءت به الرسل اعبدوا الله , ) وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ( [2] فكان أول أمر في كتـاب الله عز وجل وأول دعوة في القرآن فكان مناسباً ,
 ثم أيضاً أنه مناسب لتأسيس الدولة الإسلامية وبناء تشريعها الأساسي
ثم قال الله عز وجل : ) وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ( هذه الآية واردة في إظهار التحدي لإثبات كمال القرآن وسلامته ,
 في الآيات الأولى  بيّن كماله ثم بيّن في هذه الآية التحدّي لهم ,كما أنها واردة في إثبات الأصل الثاني وهو التصديق بالنبوّة والكتاب بعد الأصل الأول وهو الإقرار بالعبودية لله عز وجل .
تأملوا التعبير بقـوله : ) وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ ( ما قال : ( إن كان في ريب ) ، قال : إن كنتم أنتم في ريب ، يعني أدنى ريب ) فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ (
ثم قال ) مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا ( ولم يقل ( أنزلنا ) ما الفرق بين نزلنا وأنزلنا ؟
نزّلنا تأتي على التدريج وأنزلنا تأتي جملة واحدة  وأن هذا الإنزال الذي أنزله الله على محمد منجماً ومفرّقاً ابحثوا فيه عن قصور أو ريب أو نقص ) فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ ( لم يكتفي بدعوتهم إلى أن يتحدّاهم بأنفسهم بل قال 
 ) وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ ( ومن هم شهداءهم ؟ 
شهداءهم الأصنام وشهداءهم كبراءهم ورؤسائهم وزعماءهم وخبراءهم وكل من له علم عندهم ليأتوا بهم فيجتمعوا على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ) لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ( كما قال الله عز وجل .
ثم قال الله سبحانه وتعالى : ) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا ( ا هذه الآية غرضها الحكم بعجزهم وهذا من إعجاز القرآن أنه إلى قيام الساعة لن يفعل أحد مهما كان , ومهما اجتمع أهل الأرض في وجود الريب في القرآن لا يمكن لأنه كلام رب العالمين الذي كمل في ذاته وأسمائه وصفاته سبحانه وتعالى وكمّل به كتابه , 
فهنا حكم بعجزهم على أن يأتوا بمثل هذا القرآن أو يجدون فيه قصوراً أو ريباً ,
 وهذا من إعجاز القرآن إلى قيام الساعة ولذلك توعدهم الله قال) وَلَنْ تَفْعَلُوا ( ثم قال:) فَاتَّقُوا النَّارَ( فتوعّدهم على هذا التكذيب الذي لا يستطيعون معه الاستجابة وأن يأتوا بمثل ما طلبهم به 
 ) فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ( جعل النار مقام العناد , ولم يقل اتقوا التكذيب أو اتقوا العناد قال اتقوا النار مباشرة لأنها جزاءهم , وفي هذا إيجاز .
ثم ذكر الناس مع الحجارة وقدّم الناس لماذا ؟ 
مبالغة في تهديدهم وأنكم أولى من يكون في النار أنتم ثم الحجارة .
ثم أيضا تأملوا كيف قارنهم مع الحجارة ؟ الحجارة التي لا تحرقها النار في الدنيا هي وقود النار يوم القيامة , فتأملوا كيف أن الله أشار إلى عِظم النار بأنها لا تتقد بأشجار وإنما تتقد بالحجارة , وهذا دليل على عظمتها كما بيّنها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله 
: « إن ناركم هذه جزء من تسع وستين جزءً من نار جهنم » عياذاً بالله .
فذكر الحجارة هنا إشارة إلى فرط حرّ جهنم وامتيازها عن النيران الأخرى توعداً لهم وتأكيداً على عِظم جزاءهم وعذابهم .
يستكمل بإذن الله 

[1] سورة البقرة 21 - 29 .
[2] سورة النحل 36 .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق