الآيات 120 - 123

الآيات  120 - 123

بسم الله الرحمن الرحيم
ثم قال الله ـ عز وجل ـ تحذيراً للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وللمؤمنين من هؤلاء اليهود والنصارى والمشركين أنّهم هل سيرضُوا عنك بعد ذلك؟ وقد أقرّ الله لك الرسالة وشهِد لك بذلك وأكرمَك بها وأكرم أمّتك؟! لا والله لن يرضوا, سيبقُوا بعد أن بيّن الله ضلَالهم وكُفرهِم وطَعن في ما هم عليه من انحراف, قال الله ـ عز وجل ـ : (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) فاحذر يا محمد, واحذروا يا أمّة محمد فإنّ هؤلاء اليهود لن يزالُوا (وَلَن تَرْضَى) إلى يوم القيامة عنك اليهود والنصارى حتى تتبّع ملّتهم, وها هُم اليوم يا إخواني يصدّون عن سبيل الله ـ عزّ وجل ـ بكل ما أُوتُوه من قوّة ومن مال ومن عتاد ومن تقنية, فهذه وسائل الإعلام وقنواتِه, كم القنوات التنصيرية؟! هؤلاء اليهود الآن يا إخوان يترّبعُون على الإعلام فها هُم يصدّون أبناء المسلمين بتلك الوسائل الترفيهية والمسلسلات الهابِطَة والأغاني الماجِنَة والضلال المبين, وكم وقع في مصيَدتِهم كثيرٌ من أبناء المسلمين وهذا معنى قول الله: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) قال الله: (قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى) كُن على الحق واثبُت وأعلِنها صريحاً (إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى) ولن أتبّع غير دين الله, قال الله: (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ) الخِطَاب لمن؟ للنبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأنّــا للنبيّ ـ عليه الصلاة والسلام ـ أن يتبِّع ملّتهم, وحاشاه ـ عليه الصلاة والسلام ـ لكن لعِظمِ الأمر وُجّه إليه الخطاب, وهذه فائدةٌ لطيفة في القرآن أنّه إذا كان الأمر مُهِم وعظيم وجّه الخِطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم, ولله في كتابه المثل الأعلى أنتم ترون إذا كان الأمرُ عظيم جاء الخطِاب من المَلِك أمرنا بما هو آت, فكل ما عَظُمَ الأمر توجّه الخطاب فيه إلى أعلى الهرم , فالله تعالى هنا خَاطب النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ وليس هو المراد, حاشا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يتبّع ملّتهم, لكنّ هذا الأمر لمّا كان عظيماً وخطيراً على أمّة محمد حذّر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليكون قدوة وليحذّر أصحابه وأمّته (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ) أبَعْدَ هذا العلم عِلم ؟!
بعد أن سَاق الله ـ عز وجل ـ هذا البيان التامّ عن بني إسرائيل وكشف لنا كل أوراقهم وأحوالهم وطبائِعهم وحذّرنا كل التحذير, أ بعد هذا العِلم عِلم؟! لا ، والله, كفانا أن عَرفنا أعداءنا, كفانا أنّ الله تعالى جعل في أول كتابه تعريف بهؤلاء بأنّهم أخطر الأمم علينا, فهذا سرّ التطويل في هذه الآيات لنعلم حق العلم ونُبصر حق البصيرة أحوال أعدائنا فنحذرهم, هم أعظم من سيُضلّوننا عن دينناقال الله ـ عز وجل ـ : (مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ) بعد ذلك لن تجد بعد الله وليّ ولا نصير, ثم أرجَعَ الله الخِطَاب لمِن؟!
ما أرحم الله وألطفه!! رَجِع الخطاب لبني إسرائيل, للمؤمنين منهم ثناءً عليهم وتشريفاً لهم ودعوةً لغيرهم, انظُر بعد هذا كله ختم الخطاب في دعوتِهم فقال: (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ) وآمنُوا, منهم عبد الله بن سلام وغيره, قال الله: (يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُوْلَـئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمن يَكْفُرْ بِهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) قُضيَ الأمر.
قال الله ـ عز وجل ـ خِتَام الحديث لهم, النِداء الأخير كأنّ الله يقُول هذا النداء الأخير لكم هل تسمعون؟ هل تُجيبون؟ (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) من يُبيّن لي المراد بهذه النعمة؟ قلنا أنّ النعمة الأولى: هي نعمة الخلافة في الآية الأولى.
النعمة الثانية: تِعداد النعم عليهم وتفضيلهم بهذه النِعم, هذه النعمة ما لمراد بها؟
أن بلّغهم ومدّ في آجالهم وبيّن لهم هذا البيان, ما أعظم من هذا البيان شيء فقول الله ـ عز وجل ـ : (اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) هذه النعمة والله أعلم بيان الله لهم الحقّ وكشَفَ لهم الأمر وأعطَاهم كل الدلائل والبراهين, فقال الله يا بني إسرائيل اذكروا هذا البيان, اذكروا أنّ الله أنعم عليكم بالبيان فلم يترككم كما أنتُم عليه من ضَلال بل بيّن لكم (وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ) يُذّكرهم بأنّ الله فضلّهم وسيبقُون على فَضلٍ إن آمنوا, وكما قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( ممّن أوتي أجره مرّتين رجلٌ آمن بي وآمن بنبيّه فلو آمنوا لزاد فضلهم عند الله لكنّهم لم يُؤمنوا, ثم ختم الحديث عنهم الختام النهائي بتذكيرهم بالآخرة ولا ينفع معهم, لأنّ التذكير بالآخرة أعظم ما يردع الإنسان لأنّه إذا علِم أنّه سيموت وأنّه سيرجع إلى الله لا شكّ أنّ ذلك أدعى الأمور إلى الإيمان, ولذلك ختمه الله بقوله: (وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ) فالله ـ عز وجل ـ يقول اتّقوا ذلك اليوم الذي لا تجزي نفسٌ عن نفسٍ شيئا, هم يقولون أنّ أنبياءنا وصالحِينا سيشفعُونَ لنا يوم القيامة حتى الضالّ منهم سيشفع لهم فيما يزعُمون يوم القيامة, فقال الله هنا: (وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ) ليس هناك شفاعة إلا لمن أذِن الله له, فلن تنفعكم شفاعتُكم التي تزعمون ما دُمتم كافرين مكذِبّين, يعني يُذّكرهم الله ـ عز ّوجل ـ أنهم مع ما يتعلّقون به من رجاء قطع الرجاء عنهم, فهذا خِتام الحديث عن بني إسرائيل, وأطَال الله الحديث فيه لأنّه كما ذكرت لكم شمِل دعوتهم, وشمِل بعد ذلك تذكير الله لهم بالنِِعم, وشمِل بعد ذلك بيان كُفرانِهم وطُغيانِهم وضلالاتِهم وجناياتِهم, ثم شمِل بعد ذلك عقوباتِهم, ثم جاء بعد ذلك من هذه الأمور الأربعة في الآيات من أولها إلى آخرها, فلو تأمّلنا هذه الآيات ذلك حقّ التأمّل لظهر لنا حكمة الله في هذا التفصيل وأنّ ذلك يستدعي لنا أن نحذَر كُل الحذر وأن نتجنّب أوصاف هؤلاء, وأن نَعي ما حذرّنا الله من أنّهم أعداؤنا (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ) فحينها يَصلُب الإيمان في نفوسنا ونُعظّم ما شرّفنا الله به.
والله لو لم نخرج من هذه الآيات إلا أن نَعي ونستحضِر ونستشعِر فضل الله لنا بأنّنا الأمّة المُختارة بعد هذه الأمة, وأنّنا الأمّة المرحومة بعد هذه الأمّة التي غضِب الله عليها, وأنّنا الأمّة المفضلّة بعد أن كانت تلك الأمّة هي التي فُضلّت, فضلّها الله على العالمين, وأنّنا الأمة التي جعلها الله شهيدة على الأمم كلّها ({وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ } هذه الأمة ستشهد على الأُمم, هل آمنوا برسلهم أم لا؟ أعظم من هذا شرف؟! والله ليس بعد هذا شرف, فنحمد الله أن شرّفنا ونسأله ـ عز وجل ـ أن يُكرمنا بعبادته وشُكر نعمته وأن يُديم علينا فضله في الدنيا والآخرة.
وننتهي عند هذا الحدّ ونسأل الله ـ عز وجل ـ أن يرزقنا العِلم النافع والعمل الصالِح, بعد هذا الحديث عن قصة إبراهيم ما نُرِيد الحقيقة أن ندخل فيها ثمّ نَبتُرها, قصة تستحِقّ منّا وقفة لوحدها, وهي تذكير الله لنا بالأصل الثاني بعد الأصل الأول, الأصل الأول هو آدم عليه السلام, والأصل الثاني هو إبراهيم, هذه الآيات التي سنفتَتِح فيها إن شاء الله ـ عزّ وجل ـ جلستنا في الخميس القادم إن أحيانا الله ـ عز وجل ـ مجلسنا الأول فيها, وفيها حقيقة بيان لفضل الله ـ عزّ وجل ـ على هذه الأمّة وكيف ورثت إبراهيم في الإمامة والفضل والتزكية, وكيف أنّها أُكرمت بما أُكرم به إبراهيم من الإمامة والقبلة, ومَنَحَها الله ـ عز ّوجل ـ ما مَنَح إبراهيم, فو الله إنّها نعمة عظيمة سنقف معها بإذن الله ـ عز ّوجل ـ حينها, نسأل الله أن يُوفقّنا وإياكم للعلمِ النافع والعمل الصالح وصلى الله وسلّم على نبيّنا محمد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق