تفسير الآيه 187

 تفسير الآيه 187

  ننتقل إلى آيات أحكام ليل الصّيام - لاحِظُوا التّرتيب – أولاً : ممهدّات ، ثمّ جاء التّشريع ، ثمّ جاء الذّي يُشرع فيه الدّعاء قبل الغروب .

بعد ذلك جاءت آياتِ الليل :

) أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ ( [1] فهذه الآية في أحكام اللّيل غالباً ، ومشتملة على بعض الأحكام الفرعية للصيام ، والمحظورات المتعلقة بالصيام ، يعني هي مكمّلات ، هذه الآية مُكمّلة لأحكام الصِّيام . وهذه الآية اشتملت على عدّة محظورات هي : الأكل ، والشُرب ، والجماع بعد تبيُّن الفجر ، والإمساك عن المفطّرات والمحظورات حتّى الليل ، ومباشرة النّساء حال الاعتكاف.كُلُّها داخلة في هذه الآية ، وقدَّم فيها ما هو ألصق باللَّيل وأكثر وقوعاً فقدَّم أولاً : أمر المباشرة عامّة ، ثمّ المأكل ، ثمَّ أمر المباشرة للمعتكف وهذا والله أعلم سِرّ تقديم المنكح على المأكل في هذه الآية لارتباطه باللَّيل .

إذاً ما وجه حظر المباشرة في ليالي رمضان ثمّ إباحتها ؟

قولُ الله عزّ وجل : ) أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ ( يدلُّ على أنّه محرّم ، في أوّل الإسلام ، وقبل الإسلام ، كيف محرّم ؟ يعني أنّ الرّفث ( الجِماع ) محرّم للمُسلم في اللَّيل إذا نام ، فإذا نام حُرِّم عليه الأكل ، والرَّفث حتى اليوم الثاني ، فهُنا وقتٌ محظور وهو بعد النّوم فيما لو استيقظ إلى اليوم الثّاني هذا كان محظوراً ، لماذا كان محظوراً ؟ لأنَّه ينافي حكمة الصِّيام ، حكمة الصِّيام هي رفع هذا القلب للتعلّق بالله عزّ وجل ، فحُظِر ذلك في أوّل الصيام . إذاً لماذا أبيح ؟ أبيح لأنّ النّفوس البشرية متعلّقة بهذه الحظوظ ، فالله تعالى تخفيفاً لهذه الأمّة بما لم يُخفف على الأمم السّابقة أباح لها هذا الأمر في الليل تخفيفاً لها ، ولكي لا تتعلّق به نفوسها ويُشغِلُها عن طاعة ربّها وَرَبطه بمقصد عظيم ، لا يكون مطلقاً وإنّما ربطه بمقصد شرعي فقال الله عزّ وجل : ) فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ( يعني ليست المباشرة هنا لذات المباشرة والتّمتع فقط ، وإنّما لمقصد عظيم وشريف هو :

أوّلاً : لتتفرّغوا لما كتب الله لكم من قيام هذه الليالي .

ثانياً : ولتبتغوا في هذا الأمر الولد الصَّالح كما سيأتي .

قوله : ) أُحِلَّ لَكُمْ ( - كَما ذكرتُ لكم - فيه سبب نزول : وهو أنَّ بعض الصَّحابة - رضوان الله عليهم - اختانَ نفسه ووقع في المحظور في ليالي رمضان ، منهم عمر بن الخطّاب رضي الله تعالى عنه أنَّهُ كان في سمرٍ مع النّبي صلى الله عليه وسلّم فرجع إلى بيته وقد نامت زوجته فقال لم تنومي قالت : نمتُ . بعد أن أيقظها ربّما أو ناداها فواقعها . فجاء إلى النّبي صلى الله عليه وسلم من الغَد وشَكَا إليه ، وجاء شخص آخر وشكا إلى النّبي صلى الله عليه وسلّم فأنزل الله هذه الآية رحمة بهذه الأمّة . [2]

فانظر كيف أنّ الله أباح بوقعةٍ واحدة تشريع عظيم لهذه الأُمّة المحمدية .

قال الله عزّ وجل : ) ُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ ( لماذا عبَّر بالرّفث ؟ كأنَّ فيه مستكره ، يعني هو أمرٌ مُستكره في مثل هذه الأيام التي ينبغي أن تتعلّق فيها قلوبكم بالله . ولذلك كما قال ابن عبّاس : القرآن يُعبِّرُ عن الجِماع بالمباشرة ، والرّفث وغيرها يَكني يعني يُكنّي عن ذلك ، وهذا مِن رُقيّ أسلوب القرآن وعُلّوه وسمّوه في أنّه يُعبّر عن الشّيء المستكره أو المستقذر كنايةً ولا شك أنّ هذا دليل على كمال لغة القرآن وسمّوها . فقال هنا ) الرَّفَثُ ( كأنّ فيه أمرٌ مُستكره أن تأتوه وقد حذّركم الله ونهاكم عنه ) إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ( لماذا عبّر الله تعالى بهذه الآية ؟ للدَّلالة على الحكمة في وقوعهم يعني كأنّ الله عزّ وجل التمس لهم العُذر بقوله : ) هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ( يعني من شِدَّة الملاصقة والمُخالطة لا تستطيعون أن تحافظوا على هذا الأمر فعفا الله تعالى عنكم فما أعظم حكمة الله تعالى . وهذه الآية قوله : ) هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ( يدل على سُنّة شرعية وهي : حاجة الرّجل إلى المرأة ، وحاجّة المرأة إلى الرّجل . وحاجة الرّجل إلى المرأة أشد من حاجة المرأة إلى الرجل ، حاجة الرّجل إلى المرأة أحوج وأهم من حاجة المرأة إلى الرّجل ، كيف ، ما الدّليل ؟ لأنَّ الله هنا قدّم قال : ) هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ ( فأنتم بحاجة إليهنّ ) وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ ( فأَخَّر حَقَّهُن ، فدلَّ على أنَّ الرّجل أحوج للمرأة من المرأة وهذا هُو الواقع . فإنَّ المرأة قد تُطَّلَق ولا تتزَّوج ، لكن الرَّجل إذا طلّق في الغالب لابد أن يتزّوج وسنّة الله باقية .

قال الله تعالى : ) عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ ( هذه الآية وردَ فيها عدة روايات في أسباب النزول - كما ذكرتُ لكم - منها: قصّة عمر وغيره، فعبّر الله تعالى بمخالفتهم بالاختيان ) تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ ( وما المقصود بالاختيان ؟ ليس هو الخيانة المقصودة في مخالفة أمر الله ، وإنّما غلبت النُّفوس على الأمر أوّ الظنّ أنّ هذا ليس مخالفة ، أو ليس واقعاً بمعنى كما كان عمر رضي الله عنه قال لزوجته : لم تنمِ ، قالت : قد نُمتُ . فهو لم يواقعها عمداً في مخالفة أمر الله عزّ وجل ، فعبّر هنا بالاختيان ولم يُعبّر بالخِيانة . ثم قال الله عزّ وجل : ) فَتَابَ عَلَيْكُمْ ( الله أكبر ) وَعَفَا عَنْكُمْ ( تاب عليكم مقابل ماذا ؟ وعفا عنكم مقابل ماذا ؟ تابَ عليكم عما وقع منكم ، وعفا عنكم في الحُكم عموماً - يعني رفع عنكم الحُكم - ولم يتوب الله عزّ وجل على هؤلاء فقط ، بل عفا عن الأُمّة ببركة هذا الأمر فانظروا رحمة الله وكمال حُكمه وعدله وشرعه .

ثمّ قال الله عزّ وجل : ) فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ( هذه - يا إخواني - قاعدة من قواعد النِّكاح وهي ربط مقصد النّكاح بالمقاصد الشّرعية ، ليس مقصد النِّكاح هو المتعة المجرّدة التي هي حال البهائم فيما بينها ، لكنّ الله تعالى ربطها للمسلمين بأمرٍ مشروع وهو قوله : ) وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ( وهذا أمرٌ مهمٌ جِدّاً .

قال الدُّوسري - رحمه الله - في كتابه ( صفوة الآثار والمفاهيم ) كان تفسيره من التّفاسير التي اعتنت بإبراز جانب كمال التّشريع وكمال الشّريعة وربطها بالواقع - وإن كان لم يكمل - قال : وقوله تعالى ) وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ( يعني ليكن هدفُكم من المباشرة هو المقاصد الشّرعية التي شُرعت لأجلها من إعفاف كل واحدٍ لصاحبه ، وإحصانه ، وقصد تكثير نسل أمّة محمد صلى الله عليه وسلّم لا لِمحض الشَّهوة الجنسية ، وهذا من جملة النُّصوص الموضِّحة موقف المسلم في جميع أحواله أن يكون عَقائديّاً لا بهائِمياً ، يرتقي بِهمومه إلى ما يُريده الله وتكون جميع حركاته وسَكناته مرتبطّة بالله عزّ وجل ، فهذا أمرٌ الحقيقة له دلالة في الآية . [3]

قوله : ) وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ( التمس فيها ابن عبّاس الدَّقيق الفهم الذّي أُعطِيَ ذِهناً وقَّاداً في فهم كتاب الله عزّ وجل ، التمس فيها مشروعية قيام ليلة القدر كيف ذلك ؟ قال أنَّ أعظم ما كتبه الله تعالى في هذه اللّيالي ما هُو ؟ تحري ليلة القدر أعظم ما كتبه الله قيام هذه اللَّيالي لِتَحرِّي ليلة القدر . فقوله ) وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ( أعظم ما يُبتغى هنا - والله تعالى أمر به - القيام وَيَدخل فيه ليلة القدر ، لكن ابتغاء الولد ما علاقته بالصيّام ؟ ليس له علاقة بالصيّام ، فقال أنّ الأولى هنا اِبتغاء ما كتب الله له من الخير في هذه الليالي ومن أعظمها قيام ليلة القدر ، اُنظروا هذا الإمام المفسّر حبر الأمّة كيف استنبط هذا الاستنباط ! . وإلاّ فعامّة جمهور المفسّرين على أنّ ) وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ( الولد . لكنّه رضي الله تعالى عنه استطاع أن يفهمها من التَّعبير .

قال ابن القيّم رحمه الله تعالى : وَمِمّا كتب الله لهم ليلة القدر فأُمِروا أن يبتغوها فكأنّه سبحانه يقول : اِقضوا وَطرَكم من نساءكم ليلة الصيام ، ولا يُشغلكم ذلك عن اِبتغاء ما كتب لكم في هذه الليلة التّي فَضّلكم الله بها . والله أعلم . [4]

قـال الله تعالى : ) وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ( هذه في ماذا ؟ في أحكام الأَكل والشُّرب ، تلك في أحكام النِّكاح ، هذه في أحكام الأكل والشُّرب فأَخَّرها لِمَا قُلتُ لكم أنّ الآيات مُرتبطة باللَّيل فأَخَّر الأكل عن المنكح ، في سبب نزول في هذه الآية : وَهِي أنّه كان أصحاب محمّد صلى الله عليه وسلّم إذا كان الرّجُل صائماً فحضر الإفطار فنام قبل أن يُفطر لم يأكل لَيلته ولا يومه حتى غُروب الشَّمس من اليوم الثَّاني - يعني يُواصل - إذا نام بعد الغُروب قبل أن يُفطر ، فكان قيس بن صَرِمة الأنصاري كان صائماً فلمَّا حضر الإفطار أتى امرأته فقال لها أَعِندكِ طعام ؟ قالت : لا ، لكن أنطلق فأطلبُ لك ، وكان يومه يعمل فغلبَته عينه ، فجاءته امرأته فلمَّا رأته قالت : خيبةً لك - يعني ستبيت جائعاً حتى يوم غَداً - فلمّا انتصف النّهار غُشِيَ عليه من التَّعب لم يستطع أن يُقاوم فذَكَر ذلك للنّبي صلى الله عليه وسلّم فجاءت رحمةُ أرحم الرّاحمين فأنزل الله عزّ وجل هذه الآية [5] في قوله ) وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ( .

فانظروا - يا إخواني - كيف ببركة هذه الواقعة ، جاءَ هذا الحُكم العظيم الذّي خفّف على الأُمّة ، يعني لكم بعد المغرب أن تأكلوا حتّى الفجر ) وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ( وهنا في قوله : ) حَتَّى يَتَبَيَّنَ ( ولم يقل ( حتى يظهر ) أو ( حتى يبدو ) يدُلُّ على ماذا ؟ يدلُّ على رحمةٍ إلهية ، ما هي ؟ أنّ الأمر متعلق بالتبيّن لا بالبُدُو ، من يستطيع أن يتبيّن أو يظهر له الفجر ببدايته ؟ ما يستطيع إلاّ إنسان جالس قبل الفجر بساعة يتحيَّن خرج أو لم يخرج ، فربط الله تعالى الحكم وقرنه وعلّقه بالتبيّن ، التبيّن ما هو ؟ ظُهور الأمر ، الاصفرار كما ذكره أهل العلم هُنا ، وَلذلك جاءت الآثار على أنَّ المقصود هنا الظُهور والتبيّن لغالب النّاس أو لعامّة النّاس .

قال فيما أخرجه مسلم عن سَمُرة بن جُندب - رضي الله عنه - وهو يخطُب ويُحدّث عن النَّبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال : لا يغرنَّكم نداء بلال - أو هذا البياض - حتى يبدو الفجر. وفي رواية : حتى ينفجر الفجر . [6] لاحظ الفرق بين يبدو وينفجر فذكر هنا بداية الفجر وذكر هنا انفجار الفجر .

فدلَّ على أنَّ في الروايتين هاتين بداية الفجر ونهاية الإمساك وهو البُدُو والظُهور ، والانتشار ، والاستفاضة في الأُفق . ولذلك كما جاء في صحيح البخاري عن سهل بن عبد الله أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : إنّ بلالاً يُؤذّن بليل فكُلوا واشربوا حتى يُنادي ابن أم مكتوم . ثم قال : وكان رجلاً أعمى لا يدري حتى يُقال أصبحت ، أصبحت - يعني ظَهَر النّهار أو ظهر الصُّبح [7] ، فقولهم : " أصبحت ، أصبحت " دالٌّ على الانتشار وذهاب وقتٌ على دخوله أو بدايته - فانظروا رحمة الله عزّ وجل - .

قال شيخ الإسلام - رحمه الله - : هذه الآية مع الأحاديث الثّابتة عن النّبي صلى الله عليه وسلّم تُبيّن أنّه مأمورٌ بالأكل إلى أن يظهر الفجر فهو مع الشَّك في طُلُوعه مأمورٌ بالأكل كما قد بُسِطَ في موضعه . [8]

لكن أيُّها الإخوة لا يدُلّ على أنّ الإنسان يأكل حتى يظهر النَّهار ويبدو ، لا . وإنّما القضيّة متعلّقة بالتبيِّن فإذا تبيّن أنّ الفجر طلع فليُمسِك وفي هذا الوقت يتبيَّن الفجر بالأذان ، وإن كان هناك قول لبعض أهل العلم أنّ وقت الأذان متقدِّمٌ على وقت الفجر بدقائق بعضُهُم قال تزيد على عشر ، لكن بما أنّ المسألة فيها خلافٌ بين العلماء وأخذٌ وردّ فالاحتياط أولى إلاَّ إذا قام الإنسان مع الأذان وليس له وقت فيُمكن أن يتسَّحَر ويأكل ما تيسّر له . هذه المسألة أيها الإخوة يطول الحديث عنها والتفصيل .

قال الله عزّ وجل هنا : ) وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ( هذه الآية في تحريم المباشرة على المُعتكف ليالي رمضان ولها سبب نزول ، ما هو سبب نزولها ؟ سبب نزولها : أنّه كان في بداية الإسلام الصَّحابة ، كان الرَّجل كما قال الضَّحاك إذا اعتكف فخرج من المسجد جامع أهله جامع إن شاء ، فقال الله تعالى : ) وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ( أيّ لا تقربوهنّ ما دمتم عاكفين في المساجد ولا في غيره كذا قال مجاهد وقتادة وغيرُ واحدٍ من السّلف فهي نازلة بسبب نزول - كما ذكرتُ لكم - .

ما العَلاقة بين الاعتكاف والصَّوم ؟

العلاقة بين الاعتكاف والصّوم من جهة اتّحادهما في الغرض وهو حبس النّفس عن الشّهوات لتحقيق التّقوى وتقوية الصلّة بالله عزّ وجل ، فلهذا شُرع الاعتكاف وشُرع فيه عدم المباشرة لينقطع الإنسان لربِّه فلا يكون هُناك تعلّق بالدُّنيا ولذلك أُخِذَ من هذه الآية أحكام مع أنّه لم يذكر بيع ولا شراء ولا غير ذلك وإنّما ذكر فقط المباشرة هي أصلُ الاعتكاف في المحذورات ، أمّا البيع والشّراء لم يُذكر فالدّليل عليه ؟ الدّليل عليه أنّ كُلّ ما قطع الإنسان في علائقه بالله فهو محذور للمعتكف ، أصلها المباشرة ثمّ يدخل فيها توابع المباشرة ، دواعيها ، ثمّ يدخل البيع والشِّراء والحديث في الدّنيا وغير ذلك .

ثمّ قال الله : ) تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ( لماذا قال ) فَلَا تَقْرَبُوهَا ( ، ولم يقل ( فلا تعتدوها ) ؟ هذه مسألة جِيّدة في التّأمّل وهي أنَّ الأحكام المرتبطة المتعلّقة بالتَّشريع في العبادات قال : ( لا تَقْرَبُوهَا ) لأنّها محذورات ، فلمّا كان الأمر متعلّق بالمحذور في العبادات قال : ( لا تَقْرَبُوهَا ) ، وما كان متعلّق بحقوق العباد والمعاملات قال : ( لا تَعْتَدُوهَا ) يعني العِبادات لا تقربوا محذور فيها ، والمعاملات يعني : حقوق العباد الظلم ، والنّساء ، والنّكاح وغير ذلك قال : ( لا تَعْتَدُوهَا ) يعني فاصل ما في مجال ما في شيء اسمه قرب ، مباشرة حدٌّ فاصل عدم الاعتداء هذا والله أعلم في سرّ التعبير .



[1] سورة البقرة 187 .
[2] تفسير الطبري .
[3] كتاب " صفوة الآثار والمفاهيم " للدوسري .
[4] تحفة المودود بأحكام المولود .
[5] تفسير الطبري .
[6] رقم 1094 كتاب الصيام ، باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر، وأن له الأكل وغيره حتى يطلع الفجر . وبيان صفة الفجر الذي تتعلق به الأحكام من الدخول في الصوم، ودخول وقت صلاة الصبح، وغير ذلك .
[7] رقم 617 كتاب الآذان ، باب أذان الأعمى إذا كان له من يخبره .
[8] مجموع فتاوى ابن تيمية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق