سورة البقرة من الآية (17) إلى الآية (20)




  فضيلة الشيخ د. محمد بن عبد الله الربيعة

سورة البقرة من الآية (17) إلى الآية (20) 
 نستكمل آيات الله
مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17)
صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18) أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (19) يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)
ثم انتقل الحديث في بيان مثلهم



 المثلين مثل المائي والناري أو الناري والمائي 
قال الله عز وجل ) مَثَلُهُمْ ( واختلف المفسرون هنا فيمن هذه الآيات . قيل هي في الكافرين ، قيل هي في المنافقين ، وقيل آية في الكافرين وآية في المنافقين , لكن الظاهر والله أعلم أنها في المنافقين بما سيأتي , قال الله تعالى : ) مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18) ( هاتان الآيتان غرضهما كيف حالهم مع الإيمان ؟ كيف إذا جاء الإيمان ؟
 قال الله ) مَثَلُهُمْ ( في الإيمان ) كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا ( قال ابن عباس في بيان المثل : أن المنافقين استوقدوا نوراً من المؤمنين بإيمانهم الظاهر كونهم قالوا آمنا ,لكن هذا النور كان نوراً ظاهراً ويسيراً لا دوام له بما أظهروه من كلمة الإيمان فقط 
وانتفعوا به يسيراً بماذا ؟ بالأمن على أنفسهم وأموالهم وأولادهم في الدنيا , ولن يتمكنوا منه في أنفسهم أي لم يكن في قلوبهم , فإذا ذهبوا إلى أهل الكفر ذهب عنهم هذا النور تماماً , وبقيت الظلمة الشديدة الموحشة في قلوبهم , ظلمات ظلمة النفاق والكفر والتكذيب وغير ذلك , وما أعقبه النفاق من حيرة واضطراب وقلق ,
 وكذلك أيضاً فإن بقاء هذا النور الذي حازوه من المؤمنين هو نصيبهم في الدنيا فقط , فإذا ماتوا انقطع هذا النور ولم يكن لهم فيه نور فهذا المثل الناري
وتأملوا قول الله عز وجل : ) ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ ( ولم يقل بنارهم أو ضياءهم , لماذا ؟
يعني ذهب الله بالنور وبقي ماذا ؟  النار فيها أمرين إحراق ونور فالله عز وجل سلب منهم النور فبقي الإحراق وهو الظلمة في قلوبهم 
ثم حكم الله عليهم بقوله : ) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ ( ما دام هذا حالهم .
ثم جـاء المثل المائي فقـال الله عز وجل : ) أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ ... ( الآية , هذا المثل أيها الإخوة يُبيّن حال المنافقين مع ماذا ؟ مع القرآن المثل الأول حالهم مع الإيمان كيف حالهم مع الإيمان كما ذكرنا ,
 هذا يبين حالهم مع نزول القرآن ,كيف كان حالهم ؟ انظروا إلى ما ذكره ابن عطية رحمه الله في تأويل هذا المثل قال : ( قال جمهور المفسرين مثّل الله القرآن بالصّيب لما فيه من الإشكال عليهم , والعمى وهو الظلمات وما فيه من الوعد والزجر , وهو الرعد وما فيه من النور والحجج الباهرة التي تكاد أن تبهرهم وهو البرق , وتخوفهم وروعهم وحذرهم هو جعلهم أصابعهم في آذانهم , وفضح نفاقهم واشتهار كفرهم وتكاليف الشرع التي يكرهونها في الجهاد والزكاة هي الصواعق وهذا كله صحيح بيّن ) [1] .
يعني القرآن مثل هذا المطر هو عليهم عذاب , المطر مع أنه أصله رحمة هو عليهم عذاب لماذا ؟ لأن هذا المطر فيه خير وهو هذا الماء , وفيه شيء ضار وهو هذا الرعد والبرق , فهذا الرعد والبرق هو نصيب المنافقين , وهذا الماء والغيث هو نصيب المؤمنين , فهذا المثل يبين هذا الحال , فإذا نزل عليهم القرآن كان نصيبهم من القرآن ماذا ؟ الوعيد وفضيحتهم وبيان صفاتهم والتحذير منهم وذكر عقوباتهم في الدنيا والآخرة , فيملئهم رعباً وخوفاً .
ولذلك ) وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ( والمنافقون ) فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (125) ( [2] .
هذا حال أهل النفاق مع القرآن .
فهذان المثلان يمثّلان حال المنافقين مع الإيمان ومع القرآن .

تم بفضل الله يتبع بإذن الله
سماع المحاضره من هنا






[1] ( واختلف المتأولون في المقصد بهذا المثل وكيف تترتب أحوال المنافقين الموازنة لما في المثل من الظلمات والرعد والبرق والصواعق .فقال جمهور المفسرين : « مثل الله تعالى القرآن بالصيب لما فيه من الإشكال عليهم . والعمى : هو الظلمات ، وما فيه من الوعيد والزجر هو الرعد ، وما فيه من النور والحجج الباهرة التي تكاد أن تبهرهم هو البرق وتخوفهم وروعهم وحذرهم هو جعل أصابعهم في آذانهم ، وفضح نفاقهم ، واشتهار كفرهم ، وتكاليف الشرع التي يكرهونها من الجهاد والزكاة ونحوه هي الصواعق ) ( المحرر الوجيز تفسير سورة البقرة ) .
[2] سورة التوبة 124 - 125 .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق