الايات 102و103و104

بسم الله الرحمن الرحيم
(نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاء ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ) فماذا


استبدُلوها؟! استبدُلوها بما عند الشَياطِين, قال الله: (وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى
مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ
عَلَى الْمَلَكَيْنِ) هذه الآيات الحقيقة لدينا فيها وقفات:
أولاً: قول الله ـ عز وجل ـ : (وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ) هم زَعمُوا
أنّ هذا السِحر الذي يأخذونه من الشيَاطِين قالوا أنّ هذا هو الذي وَرِثَتُه الشَياطِين من
مُلكِ سُليمَان, وأنّ سُلَيمان إنمّا مَلَك الدنيا بهذا السِحر وأنّه جعله في صُندوق ودُفن
في الأرض فاطّلع عليه هؤلاء فأخذُوه وأخذُوا فِيه هذه الأسرار فهم يأخذُونَها منهم,
(وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ) الشياطِين هؤلاء يزعمون أنّ هذا
السِحر هو بقيّة أخذُوه من سرّ من أسرار مُلك سُليمَان وما كان سُليمان ـ عليه السلام
ـ على سِحر, قال الله: (وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ) إنمّا كان على أمرِ الله ـ عزّ وجل ـ وخوارِق
أعطاه الله إيّاها (وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ
بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ) .
قال الله ـ عز وجل ـ : (وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ
أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ) وبتتبّع أقوال المفسّرِين وأئمّتهم نجد القول الأظهرـ
والله أعلم ـ أنّ الله أنزل من الملائِكة ملَكين وجعلهم فتنةً لأهلِ الأرض يُعلّمُون النّاس
السِحر فتنة, كما أنّ الله ـ عزّ وجل ـ خلق الخنزير وحرّمه فتنةً للنّاس, وكما أنّ الله
تعالى خلق الخمر وحرّمه, فكأنّ الله ـ عزّ وجل ـ أراد بتعليم الملائكة فتنةً للنّاس, قال
بعض المفسّرين إنّما يُعلمّون الناس السِحر ليَعلَم النّاس الفرق بين عِلم الله ووحيه
والخوارق والكرامَات التي وهبَها الله لأنبِيَائه وأوليَائِه وبين هذا السحر الذي أَتى به
هؤلاء السحرة, هذا تأويل قد يكون محتملاً والله أعلم, لكن ذكره كثيرٌ من المفسّرين ومنهم ابن جرير ـ رحمه الله تعالى ـ وهو عمدة التفاسير ذكر ذلك وبيّنه تفصيلاً قال ابن جرير رحمه الله:( إنّ الله تعالى قد أنزل الخير والشرّ كلّه وبيّن جميع ذلك لعباده فأوحاه إلى رُسلِه وأمرهم بتعليم خلقه وتعريفهم ما يحلّ لهم ممّا يحرم وذلك كالزنا والسرقة وسائر المعاصي التي عرَفوها ونهاهم عن رُكوبها واقترافِها, فالسِحر أحد تلك المعاصي التي أخبرهم الله تعالى بِها ونهاهم عن العمل بِها وليس في إنزال الله إيّاه على الملكين ولا في تعليم الملكين ما علمّاه من الناس إثمٌ إذ كان تعليمُهما من علّمُاه ذلك بإذن الله عزّوجل لهما بتعليمِه أي أذِن الله بِه لهما بعد أن يُخبراه بأنّه فتنة فيقولا: (إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ ) يأتيهم الإنسَان فيقول أُريد أن أتعلّم السِحر ( فيقولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ) قال ابن جرير( بعد أن يُخبراه بأنّهما فتنة ويَنهَياه عن السِحر والعمل به والكفر) هذا أظهر الأقوال
ثم وجه الله الكلام
إلى المؤمنين تحذيراً لهم من أن يتشبهّوا باليهود, قال الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا) لماذا قالوا؟ كانوا يأتون إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلّم ـ فيقولون راعِنا يقصدون من الرّعُونة يعني يتأولّون الكلمة هؤلاء اليهود يُحرّفونها, فكان المُؤمنون يقُولُون للنبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ كذلك, فنهاهم الله تعالى أن يقَعُوا في المحظور الذي وقعُوا فيه اليهود, مع أنّ المؤمنين لا يقولون ذلك إلا من باب أنظِرنا وراعِنا من المراعاة, ولكنّ اليهود أخزاهم الله يُحرِّفُون الكَلِم مثل قولهم السّام عليك, عائشة تقول ألا تسمعُهم يقولوا السّام عليك, فالنبّي ـ صلى الله عليه وسلّم ـ يقول ألا تسمعيني أقول وعليكم أي إن كنتم قلتم السلام عليكم فهو عليكم, وإن كنتم قلتم السّام
عليكم فهو عليكم, فهم يُحرّفون الكلِم ويُحاولُون أن يأخذوا من الكَلِمة باطنها المحرّف فنهى الله ـ سبحانه وتعالى ـ المؤمنين من ذلك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق