تفسير حتي آيه 89
ثم ذكر الله ـ عز ّوجل ـ جنايةً أخرى وهي قولهم: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ .....{83})
)كل هذا في كتبهم فهل حقَقُوه؟! لا, قال الله: (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ)
ثم ذكر الله جنايةً أُخرى وهي قوله: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ{84}) أي المُعاصِرون للنبيّ صلى الله عليه وسلّم (تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ) كيف يفعلون ذلك؟
كانوا في المدينة اليهُود قسمين: قُريظَة وبَنِي قينقاع, والعرب قِسمين الأوْس والخزرج, فكان لكلِ طائفةٍ مُنَاصر, للأوس بني قُريظة, وبنُو قينقاع للخزرج, فكان إذا كان بين الأوس والخزرج قِتَال شاركهم هؤلاء فقَاتلَ بعضُهم بعضاً, أي قَاتَل اليهُود اليهُود لأنّه عدّوه الآن, فقال الله ـ عزّوجل ـ هنا: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ) لا يقتُل بعضُكم (وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ) فإنّهم إذا غَلبُوا الطرف الآخر أخرجُوهم مِن دِيَارِهم (ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ ثُمَّ أَنتُمْ هَـؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ) يعني حينما يأتي أُسارَى فهؤلاء يُفادون اليهود, فيُؤمِنُون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض, قال الله ـ عزوجل ـ : (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ...{85}) الآية
والايه 86 واضحهثمّ قال الله ـ عز ّوجل ـ بعد ذلك من آية (87) إلى آية (100) كل هذه الآيات سِياق الحديث عنها في بني إسرائيل المُعاصرِين بذكر نوع آخر من جِناياتِهم التي اشتركُوا فيها مع أسلافِهم وهي تكذيبَهم بالكُتب المنزّلة وخاصةً القرآن وتكذِيبهم وحِجاجِهم ومُجادلتِهم لئلّا يُؤمنوا به.
تأمّلوا قوله ـ عز ّوجل ـ : (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ{87}) هذا بيان عام لحالِهم مع الرُسل, هذا حالهم (َفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُون) هذا حالُهم يقتلُون أنبياءَ الله ويُكذّبون آخرون؟!
واللهِ إنّ هؤلاء لقومٌ على ضلالٍ عظيمٍ كبير (وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ) يعني اعتذروا باستكبَارِهم وإعراضهم لأنّهم قالوا قلُوبُنا غُلف لا نُدرِك لا نَعِي لا نَفهم ( بَل لَّعَنَهُمُ اللَّه بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ )ثم قال الله: (وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ)
ما هو؟ القرآن, (مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ) بماذا يستفتِحُون؟ قالوا إنّه سيخرج نبيّ سنتّبِعُه وسنقاتِلكم معه (كَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم) هذا النبيّ وهو محمد (فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ{89
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق