تفسير الآيات من 145 - 148
)
وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آَيَةٍ مَا تَبِعُوا
قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ
قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ
الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (145) الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ
الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا
مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ
فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (147) وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا
فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا
إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148) ( .
بسم الله الرحمن الرحيم
قال
الله عز وجل : ) وَلَئِنْ أَتَيْتَ
الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آَيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا
أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ ( هذه الآية واردة في ماذا ؟
واردة
في تأكيد عدم متابعة أهل الكتاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأنهم لا يمكن أن
يتبعونك ، لأنهم لو تبعوك تبعوك في الأصل على دينك وملتك ، كيف وقد كفروا بالله من
قبل وكفروا بأنبيائهم ، فكيف يؤمنون بك ، فالله تعالى آنس نبيه عليه الصلاة
والسلام وطمأنه وسلاه لئلا يضيق صدره وصدر المؤمنين ، قال : ) وَلَئِنْ أَتَيْتَ
الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آَيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ ( فهذا دليل على المفاصلة ، ولهذا قال بعدها : ) وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ
قِبْلَتَهُمْ ( لا يمكن لك يا محمد ولأمتك أن تتبعوا قبلتهم بعد ذلك ، هذا دليل على ماذا ؟
على
ثبوت أمر القبلة إلى قيام الساعة ، يعني التوجه للكعبة .
ثم
قال الله تعالى : ) وَمَا بَعْضُهُمْ
بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ ( يعني مما يدل ويؤكد على أنهم لن يتبعوك ، أن بعض أهل الكتاب لا
يمكن أن يتبعون قبلة بعض ، يعني اليهود لن تتبع قبلة النصارى ، ولا النصارى يتبعون
قبلة اليهود ، فكيف بقبلتك يا محمد ؟! .
ثم
قال الله عز وجل : ) وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ
أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ
الظَّالِمِينَ ( هذا الخطاب لمن ؟
للنبي
- صلى الله عليه وسلم - لاحظ قال الله : ) وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ
أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا
لَمِنَ الظَّالِمِينَ ( خطاب شديد وعظيم فيه توعد لكن الخطاب ليس للنبي - صلى الله عليه
وسلم - بذاته ، إنما لما كان الأمر عظيماً ومتعلقاً بإتباع أهل الكتاب شدد الله
تعالى فيه وخاطب فيه نبيه - صلى الله عليه وسلم - كما قلت لكم في قاعدة من قواعد
القرآن أن الخطاب إذا كان عظيماً ، يتوجه ابتداءً إلى النبي صلى الله عليه وسلم ،
ليعظم أمر هذا الخطاب وليتبعه أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - بعده ، وكما قال
الله عز وجل ) لَئِنْ أَشْرَكْتَ
لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ( هذا ليس مقصود به ذات النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنما المقصود به
ذات الأمر ، وهو عظم الشرك وعظم أمره وعظم من اقترفه ، فلاحظوا هذا الملحظ العظيم
العجيب الدقيق في كتاب الله عز وجل تلحظونه في كثير من الآيات التي وجه الخطاب
فيها للنبي صلى الله عليه وسلم ، تحذيراً وليس ولا يمكن وقوعه من النبي - صلى الله
عليه وسلم - وهو المعصوم .
ولهذا
بعد أن نزلت هذه الآية وبعد أن حول الله تعالى القبلة إلى البيت الحرام ، كان
النبي - صلى الله عليه وسلم - يتقصد مخالفة أهل الكتاب بعد ذلك ، فإذا رآهم على
أمر خالفهم عليه ، حتى قالوا ما بال محمد ما أن يرانا على أمر إلا خالفنا عليه ، بعد
القبلة كانت هناك مفاصلة مع اليهود لأنهم دعوا وبأساليب مختلفة من أول السورة كما
ذكرت لكم ، ثم هيأهم الله - عز وجل - في الدعوة أو أدخلهم في الدعوة في القبلة لكن
القبلة لما كانت فيها تحويل عن قبلتهم تمت المفاصلة ، فكان النبي - صلى الله عليه
وسلم - يخالفهم مخالفةً تامة وهذا يؤكد لنا عِظم أمر وتشريع مخالفة اليهود ، وأن
ذلك أمر متأكد في أمة الإسلام ، يخالفون أهل الكتاب وما حكمة قول الله عز وجل أو
في سورة الكافرون ) قُلْ يَا أَيُّهَا
الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ( إلا المخالفة التامة .
ويدخل
في ذلك أهل الكتاب ، لهذا حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته من إتباعهم
" لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة
" إنما قال ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - تحذيراً لأمته من إتباعهم وإنك
حين ترى الواقع ترى وللأسف الشديد مخالفة أمة الإسلام فيما رسم لها النبي - صلى
الله عليه وسلم - من منهج في مخالفة أهل الكتاب ، وكيف نرى اليوم تبعية أمة
الإسلام للغرب ، وكيف تأثرهم وتوجههم إليهم في أمورهم العظمى قضاياهم الكبرى
يتوجهون فيها إلى الكافرين أو إلى الغرب ، ولا شك أن هذا مخالفة لله ورسوله
ومخالفة للمنهج النبوي وهذا الذي جعل الأمة اليوم يا إخواني في منزلة من الضعف
والذلة بين عند أهل الكتاب .
ثم
قال الله - عز وجل - : ) الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ
الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا
مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ( ماذا يفيد هذا ؟
يفيد
هذا أن الكافرين يعرفون محمد - صلى الله عليه وسلم - وما أتى به ويدخل في ذلك أمر
القبلة لأن المفسرون لأن المفسرين اختلفوا في هذه الآية ) يَعْرِفُونَهُ ( من الذي يعرفونه ؟
* هل هم يعرفون أمر القبلة ؟
* أو يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم ؟
* أو يعرفون القرآن ؟
الظاهر
والله تعالى أعلم أن المقصود به هنا النبي صلى الله عليه وسلم وما جاء به لماذا ؟
لأنه
قال في سياق الآية ) كَمَا يَعْرِفُونَ
أَبْنَاءَهُمْ ( فشبهه بأبنائهم يعني الإنسان ما يشك في ولده ، وهو يعلم أنه ولده
لا يمكن أن يشك فيه يعرفه ، إذا جاء ولده فأعرف الناس به أبوه ، فلذلك هم أهل
الكتاب يعرفون النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نبي وأنه صادق ما جاء به صدق ومن
ذلك القبلة لأنه في كتبهم ، وصفه في كتبهم واضح ، هم أعرف من العرب ، هم أعرف
بالنبي من العرب ، فلذلك قال : ) يَعْرِفُونَهُ ( ولهذا قال : ) وَإِنَّ فَرِيقًا
مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ ( الحق ما هو الذي في كتبهم ) وَهُمْ يَعْلَمُونَ ( ثم قال الله - عز وجل - كلمة فيها الفصل وفيها إثبات الأمر حتى
يستقر في نفوس المؤمنين ما يتزعزعون في أمر القبلة لأن وقت التحول مثل ما يقال وقت
الأزمة الناس يموجون فيها بالكلام والأخذ والعطاء وأصحاب الشُّبه يقولون شبههم
والمنافقون كذلك واليهود كذلك فالله تعالى أراد أن يرسخ في قلوب المؤمنين أن هذا
هو الحق ، وأن هذه القبلة هي قبلتكم ولا شك فيها ، قال الله : ) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ ( الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولكنه متوجه لأمته ، فلهذا
قال : ) فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ
الْمُمْتَرِينَ ( أي الشاكين في أي أنواع الشك ، لأن الامتراء أدق من الشك فالله
تعالى أراد أن يرسخ في نفوس المؤمنين هذا الحق حتى يعبدونه على بصيرة فلا يكون
الشيطان يدخل عليه فيهم مدخل ثم قال الله تعالى : ) وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ
مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ( ما مناسبة هذه الآية ؟ ما
علاقتها ؟
يعني
تتابع الآيات ماذا تفيد هذه الآية ) وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ
مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ( يعني أن كل أمة لها قبلة اليهود لهم قبلة والنصارى لهم قبلة وأنتم
يا أمة الإسلام لكم قبلتكم فاغتنموا هذه النعمة وهذه الهبة الربانية لكم ،
فاستبقوا الخيرات واتركوهم وأعرضوا عنهم كأن الله تعالى أراد أن يصرف الناس عن
الكلام ، أي المؤمنين عن الخوض في هذا الكلام ، وأن يدخلوا فيه بجدال مع أهل
الكتاب إلا هذه قبلتنا حق أو قبلتكم باطل ، أراد أن يقطع هذا الكلام ويقول : ) فَاسْتَبِقُوا
الْخَيْرَاتِ ( أي أنتم لستم مسؤولون عنهم اتركوهم إن كانوا يريدون الحق عرفوه
أما أنتم فاستبقوا الخيرات واغتنموا هذه القبلة التي شرفكم الله بها وصلوا إليها
واحرصوا على ذلك واستمسكوا به ، لكن هنـا سؤال لماذا
قال : ) فَاسْتَبِقُوا
الْخَيْرَاتِ
( و لم يقل " استبقوا توجه القبلة "
؟
ليعم
ذلك جميع الأعمال لأن القبلة أصل فيتبعه كل عمل صالح فكأن الله تعالى من رحمته
ورعايته وحرصه ورحمته بهذه الأمة سبحانه وتعالى أمرها بالاستباق للخيرات كأنه قال
اسبقوهم إلى الخير لتكون أنتم السابقون الأولون يوم القيامة فما أعظم هذه الرعاية
الربانية الكريمة بعد أن أمرهم بالقبلة أمرهم باستباق الخيرات والتوجه إليه كاملا
ًفي جميع أعمالهم .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق