قال
الله عز وجل : ) إِنَّ الصَّفَا
وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ
فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا ( ما علاقة هذه الآية بما
قبلها ؟
هذه
الآية اختلف فيها المفسرون ، يعني أشكلت على بعض المفسرين أن علاقتها بآية الصبر
بعيدة لكن هي متعلقة بآيات القبلة يعني بعد أن ثبت الله تعالى أمر القبلة ورسخها
في قلوبهم ونفوسهم ، توجه إلى شأن ما تعلق بها بالقبلة وهو الصفا والمروة الشعائر
الباقية التي فيها خلاف وإشكال فأراد الله تعالى أن يبين حكمها وحكم السعي بينها
وإنما ورد فيها إشكال لأن الصفا والمروة كان فيهما صنمان فكان الأنصار لا يسعون
بينهم ، لأن فيهما صنمان لقريش كانوا لا يريدون أن يتابعوا قريش على ذلك ، فلما
جاء الإسلام سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فكانوا يتحرجون أن يطوفوا بين
الصفا والمروة كما قالت عائشة فلماء جاء الإسلام سألوا رسول الله صلى الله عليه
وسلم عن ذلك فأنزل الله الآية ولهذا قال : ) إِنَّ الصَّفَا
وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ( وقال أنس رضي
الله تعالى عنه لما سئل عن الصفا والمروة قال : كانتا من مشاعر الجاهلية فلما كان
الإسلام أمسكوا عنهما خشية أن يتبعوا المشركين فأنزل الله ) إِنَّ الصَّفَا
وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ( وليست من شعائر
الجاهلية ، فلهذا وقع الإشكال ولهذا قال الله عز وجل : ) فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ
أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا ( الآية في سياق
الأصل أن يقول : ( فمن حج البيت أو اعتمر فليسعى بينهما ) لكن لما كان هناك حرج
واختلاف وخلاف وإشكال الله عز وجل هنا رفع الحرج فقال : ) فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ
أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا ( وفي هذه الآية فائدة مهمة وهي أن
الصفا والمروة لا يشرع السعي بينهما إلا في نسك من يأتينا بهذه الآية ، لا
يشرع التطوع بين الصفا والمروة إلا بنسك يعني بإحرام بعمرة أو حج ما هو ؟ نعم قال
الله ) فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ
أَوِ اعْتَمَرَ ( ولم يقل ( إن الصفا والمروة من شعائر الله فاطوفوا بهما ) قال : ) فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ ( وهذا يجهله بعض
الناس خصوصاً الذين يأتون من خارج المملكة ليس عندهم علم فتجدهم يطوفون ويسعون ،
السعي لا يشرع إلا مع النسك بخلاف الطواف فهو مرتبط بالنسك وغيره وهذه فائدة
نأخذها من هذه الآية .
ثم
قال الله تعالى : ) فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ
أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ
عَلِيمٌ ( فيه قد يكون
هناك تسائل ما معنى قوله : ) وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا
( تطوع يعني
بالصفا والمروة ؟ لا تطوع بالحج والعمرة لأن الله تعالى قال : ) فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ
أَوِ اعْتَمَرَ ( فقال : ) وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا
( ما قال ( فمن
تطوع خيراً بالطواف بهما ) قال ) خَيْرًا ( ، لاحظوا كلمة ) خَيْرًا ( ، ) مَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا ( وهذا يدل على كل
خير وأخصه ما تعلق بالحج والعمرة ، لأن السياق فيهما ، أرأيتم ، الأصل هنا العموم
لكن الأخص هو ما تعلق بالحج والعمرة ولذلك في الحج والعمرة يشرع كثرة الخير ، كثرة
الطواف ، كثرة الأعمال الصالحة ، الذكر ، إقامة ذكر الله عز وجل ، فهذا من كمال
الحج والعمرة .
ثم
قال الله عز وجل في آيات بعد ذلك : ) إِنَّ الَّذِينَ
يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا
بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ
وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا ( ما مناسبة هذه الآيات ؟
مناسبتها
أنه بعد أن بيّن حال القبلة ثم حال الصفا والمروة وحال ما تعلق بهما توجه إلى
الذين يكتمون البينات من عندهم من أهل الكتاب تهديداً لهم وتوعداً وإيقافاً لسيل
هجومهم على المسلمين كل ذلك مدافعة عن المؤمنين من هؤلاء المعارضين ، ولهذا قال
هنا في الفصل معهم انتهى الأمر قال : ) أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ
اللَّهُ ( اللعن هو الطرد
كأن الله تعالى طردهم من رحمته بعد أن منح الله هذه الأمة الرحمة الكاملة طرد
الكافرين المكذبين من أهل الكتاب عنها قال : ) أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ
اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ( لماذا قال ) وَيَلْعَنُهُمُ
اللَّاعِنُونَ ( ؟
لأنهم
أخفوا الحق عن الناس فكان حقهم اللعنة من الناس لما أخفوا الحق كان حقهم اللعنة من
الله لأنهم أخفوا أمر الله وكان حقهم اللعنة من الناس لأنهم أخفوا عن الناس الحق
الذي أمرهم الله تعالى بها إلى آخر الآيات كلها ، ثم قال : ) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا ( ترغيباً لهم في
التوبة لأن الله عز وجل ما قطع عنهم الأمر أمر الرجوع وإنما قطع عنهم الرحمة ما
داموا على الكفر .
ثم
قال الله تعالى : ) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا
وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ ( يعني إن استمروا على هذا فسيجدون عند الله في الآخرة بعد لعنتهم
في الدنيا لعنة الآخرة عياذاً بالله ، يعني اللعنة الأولى لعنة الدنيا بسبب
كتمانهم واللعنة الثانية بعد موتهم وهي لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لعنات
متتالية متتابعة على من كفر وكذب بعد هذا البيان التام ) خَالِدِينَ فِيهَا لَا
يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ ( .
ثم
انتقل الحديث إلى مقطع آخر يعني انتهى مع الكافرين وأهل الكتاب انتهى قطع الأمر
معهم ، توجه إلى المؤمنين في بيان أصل تشريعهم كأن الله تعالى قال : يا أيها
المؤمنون إن أصل تشريعكم التشريع الكامل الذي سيأتيكم وسيمنحكم الله أصله التوحيد
فكل عبادة لله عز وجل مرتبطة بالتوحيد وكلما خرجت هذه العبادة عن التوحيد فهي غير
مقبولة بمعنى أن الإنسان إذا جاء يصلي وصلى لغير الله عز وجل يعني راءى في صلاته
فلا تقبل صلاته ، أي إنسان يقوم بعمل ليس من دين الله عز وجل فهو مردود عليه ، لأن
من التوحيد اتباع النبي صلى الله عليه وسلم ، فانظروا كيف أراد أن يجعل هذه قاعدة
للتشريع الذي سيبدأ في تشريعه وفي بيانه وتفصيله ،
فهذه الآية ) وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ
وَاحِدٌ ( واردة في تقرير أصل التشريع وهو التوحيد وبيان أدلته الكونية
والشرعية ، الشرعية إعلام به وتجديد له لأنه بدأ في بداية الحديث ) يَا أَيُّهَا النَّاسُ
اعْبُدُوا رَبَّكُمُ ( ثم فصل في الحديث في مواجهة ومخاطبة ومحاجة بني إسرائيل وأطال
الحديث فكأن الله تعالى هنا رد الحديث إلى الحديث الأول إلى النداء الأول ، رد الكلام
في العقيدة والتوحيد إلى الكلام الأول ) يَا أَيُّهَا النَّاسُ
اعْبُدُوا رَبَّكُمُ ( فقال : ) وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ
وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ( ولاحظوا وتأملوا
أيها الأخوة كيف جمعت الآية بين الترغيب والترهيب ) لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ
الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ( فكأن الله تعالى أراد أن يبين أن هذه القاعدة ستنطلقون منها إلى
الرحمة بهذا التشريع الذي هو رحمة الله عز وجل ، ولهذا نقول أن أعظم تشريع فيه
رحمة للناس هو ما يشرعه الله سبحانه وتعالى .
ثم
قال الله : ) إِنَّ فِي خَلْقِ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ
الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ
مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ
فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ
بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164) ( ما فائدة ذكر هذه الآيات
؟
لترسيخ
التوحيد في قلوبهم هو الآن أراد أن يرسخ التوحيد مرة أخرى ، انظروا إلى هذه
العناية الربانية لأمة محمد صلى الله عليه وسلم كيف أن الله تعالى أراد أن يرسخ
ويرسخ ويرسخ هذه القاعدة حتى لا يكون هناك مجال لزعزعتها فما أعظم عناية الله
ولهذا قال شيخ الإسلام في كلام الفصل : ذكرت في مواضع كثيرة يعني مستقر عنده الأمر
ذكرت في مواضع كثيرة ما اشتملت عليه سورة البقرة من أصول العلم وقواعد الدين ، من
أصول العلم الذي هو التوحيد وقواعد الدين الذي هو الشريعة ، فهذه السورة قد رسخت
ورست وثبتت جميع الثوابت في بناء التوحيد في نفوس الصحابة لأنها تعني بترسيخها .
قال
الرازي في تخصيص هذه الأمور الثمانية قال : " خصها هذه الأمور الثمانية
بالذكر في قوله : ) إِنَّ فِي خَلْقِ
السَّمَاوَاتِ ... ( وما بعدها قال : لأنها جامعة بين كونها دلائل أدلة وبراهين وبين
كونها نِعَماً على المكلفين على أوفر حظ ونصيب " ، هي دلائل تدلك على الإله
الحق وهي نعم تنعمت بها من نعم الله عز وجل دالة على رعاية الله وتمام رحمته بالخلق
وقيامه بشؤونهم .
ثم
قال الله : ) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ
يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ
وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ( هذه الآية واردة
في بيان حال المخالفين للتوحيد ، يعني بعد أن ذكر التوحيد ذكر الطائفة المخالفة
لهذا التوحيد تحذيراً للمؤمنين من أن يتشبهوا بهم أو يتأثروا بهم لأنهم كانوا
مخالطين لهم فعرفت كما قال حذيفة : كنت أسأل عن الشر لا للشر وكان الناس يسألون عن
الخير وكنت أسأل عن الشر حذراً أن أقع فيه ، فالله تعالى هنا يبين للناس طائفة من
الذين انحرفت عن التوحيد من هي ؟ الطائفة المشركة قال الله : ) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ
يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ( هذا بيان
المخالفين من أهل الكتاب والمشركين وضلال عقولهم وقبح فعالهم في اتخاذهم أنداداً
لله عز وجل بل ومحبتهم معه بعد ظهور الحق أنه الإله الحق ، أرأيتم كيف هؤلاء
وضلالهم وسفاهتهم وقبح فعالهم ؟ لا والله .
ثم
قال الله عز وجل : ) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ
يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ( ما المقصود هنا ؟
المقصود
بالأنداد هنا اختلف المفسرون فقيل بالأنداد هي الآلهة ، قيل بالأنداد هم أربابهم
ورؤسائهم وزعمائهم الذين يأمرونهم وينهونهم ، فأيهم أولى كلاهما ، لأن هذه الآلهة
يعبدونها من دون الله وهؤلاء الرؤساء يطيعونهم من دون الله تأملوا فجمعوا بما هو
لله خاصة بين الشرك به في التوحيد والشرك به في الطاعة ، فأشركوا بالله في التوحيد
وفي العبادة ، فكأن الله تعالى يحذر من هؤلاء الذين يطيعون رؤسائهم وزعمائهم
وساساتهم في الطاعة في الأوامر لأن الآيات هنا ستأتي بعد ذلك في الأوامر
والتشريعات ، فذكر الله تعالى هنا طاعتهم ، والمراد بمحبتهم أندادهم ما هي ؟ محبة
الطاعة التعظيم والطاعة والتقرب والانقياد ) يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ
اللَّهِ ( أي أنهم أشركوا
في محبتهم لله هؤلاء ، فيكون قد أثبت لهم محبة الله لكنهم أشركوا مع هذه المحبة
هؤلاء وتعالى الله تعالى عما يشركون .
قال
الله - عز وجل - : ) وَالَّذِينَ آَمَنُوا
أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ( لاحظوا هنا ترغيب وتشويق وثناء من الله - عز وجل - للذين آمنوا
قال : ) وَالَّذِينَ آَمَنُوا
أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ( لكن هذه الآية لا تدل دلالة لا قريبة ولا بعيدة على أن المؤمنين
يحبون ولو شيء يسير غير الله ، لأن المقصود هنا المقارنة في محبة المؤمنين لله
ومحبة هؤلاء لله ، ليست المقارنة بين الاشتراك بين حب الله والأنداد ، لاحظوا
دقيقة المسألة قال : ) وَالَّذِينَ آَمَنُوا
أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ( طيب هل المؤمنون يحبون غير الله لكن محبة الله هي أشد ؟ كلا ،
حاشا وإنما المقصود أن هؤلاء الكافرون يحبون الله محبة مشتركة أما المؤمنون يحبون
الله محبة خالصة هذا معنى التعبير بل قوله ) أَشَدُّ ( يدل على أنهم
يحبون الله حباً تاماً في التعبير وأشد هنا أبلغ من التعبير بأحب يعني لم يقل :
الذين آمنوا أكثر ، لو قال أكثر لربما دل لكن قال أشد مما يدل على قوة محبتهم لله
- عز وجل - فالمؤمنون قد خلصت محبتهم لله سبحانه وتعالى ، والمؤمنون محبتهم صادقة
لله دائمة في الرخاء وفي الشدة ، أما أولئك فهم يحبون الله في الشدة ويتركونه في
الرخاء .
قال
الله ) وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ
ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ
اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ ( ما غرض هذه الجملة ؟
غرضها
بيان شناعة حالهم في الآخرة بعد بيان شناعة حالهم في الدنيا ، كأنه أراد أن يقول :
هؤلاء الذين يشركون سيرون أن هؤلاء الآلهة والأصنام والرؤساء هم الذين يتبرؤون
منهم يوم القيامة عياذاً بالله ، والله إن هذا لفي ضلال مبين ، تجده يقدسه ويعبده
ويطيعه في الدنيا ثم يوم القيامة هذا الرئيس وهذا الزعيم وهذا الذي يعبده هو الذي
يتبرأ من هؤلاء ، أليس هذا دليل على خسرانهم التام في الدنيا والآخرة ؟ بلى والله
ولهذا قال : ) أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ
جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ ( أي تهديداً لهم
وتخويفاً لهم يوم القيامة .
ثم
قال : ) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ
اتُّبِعُوا ( من هم الذين
اتُّبِعوا ؟ الرؤساء ) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ
اتُّبِعُوا ( الرؤساء ) مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا
( وهم التابعين ) وَرَأَوُا الْعَذَابَ
وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ ( .
ثم
قال الله - عز وجل - : ) يَا أَيُّهَا النَّاسُ
كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ
الشَّيْطَانِ ( هذه الآية واردة في ماذا
؟ هذه الآية هي بداية يمكن أن يقال بداية التشريع لمـاذا ؟ من يمكن أن يستخلص لي
المقصود من هذه الآية ؟ الأصل يعني هنا بيان الأصل في
التشريع وهو الحل وأن التشريع قائم على أصلين عظيمين أنه الحلال الذي أمر الله
تعالى به والطيب ) حَلَالًا طَيِّبًا ( فكل طيب الشرع
يأمر به ، كل حلال فهو داخل في الشرع ، فهذه آية أصل في بيان ما اشتملت عليه
الشريعة بأنها في الحلال الطيب وأنها ينتفي عنها الخبيث النجس غير الطاهر ولهذا
قال بعد ذلك : ) وَلَا تَتَّبِعُوا
خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ( تحذيراً لهم من أن يتبعوا خطوات الشيطان التي هو الخبيث ، الحرام
الخبيث ، كل حرام خبيث فهو طريق الشيطان ، كل حلال طيب فهو طريق الله وهو شريعة
الله - عز وجل - .
لماذا
بدأ بذكر المطاعم والمكاسب قبل غيرها في هذه الآية ) يَا أَيُّهَا النَّاسُ
كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ( لماذا ابتداء بذكر
المطاعم والمكاسب ؟
هنا
فائدة مهمة لأن المآكل والمشارب والمطاعم متعلقة بالعقيدة وذلك أن أول باب فتح في
الجاهلية في التحليل والتحريم باب المطاعم والمشارب والمكاسب ، فحرموا ما أحل الله
من المطاعم ومن المكاسب ، أرأيتم كيف ابتداء بما هو مخل أو قد أخل به أهل الكتاب
وأخل به ، أما المكاسب فقد أخل بها اليهود وأما المطاعم فقد أخل بها المشركون ،
المكاسب اليهود أحلوا الربا وهو حرام ، وأكلوا أموال الناس ، وأدلوا للحكام
بأموالهم ، والمشركون حرموا ما لم يحرمه الله - عز وجل - من بهيمة الأنعام ،
فابتداء الله - عز وجل - بذلك ليصحح التوحيد ويمحصه مما وقع فيه من مخالفة من
المشركين وأهل الكتاب .
قال
: ) وَلَا تَتَّبِعُوا
خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) إِنَّمَا
يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا
تَعْلَمُونَ (169) ( هذه الأعمال المذكورة ثلاثة :
-
بالسوء وما هو السوء ؟ هو الصغائر ، هو كل شر عاقبته سيئة مما قد يكون
ظاهره حسن لكن عاقبته سيئة عند الله .
-
والفحشاء هي الكبائر وهي كل ما ظاهره القبح والسوء ، ما ظاهره القبح فهو
فاحش .
-
وقول على الله - عز وجل - بغير علم مثل ماذا ؟ الشرك والكفر وتحريم ما أحل
الله وتحليل ما حرم الله ، فأتى هنا بأن الشيطان يأمر بكل المعاصي السيئة الصغيرة
والفاحشة والكفر والشرك والقول على الله - عز وجل - سبحانه وتعالى .
في
هذه الآية أيها الأخوة نأخذ قواعد مهمة أن التشريع
مبني على التوحيد متفرع عنه ، وأن التوحيد
مستلزم لاتباع التشريع ، وأيضاً نأخذ منها أن
مصدر الحلال ومنشأه هو الشريعة ومصدر الحرام ومنشأه هو الشيطان وما يأمر به
، ونأخذ منها أن أصل الشريعة الإسلامية الحل ) يَا أَيُّهَا النَّاسُ
كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ ( أصل الشريعة
الحل - يعني هو الأصل - ما لم يأتي تحريم فالأصل الحل ، لو يخرج منتج ما ندري ما
هو ؟ هو حلال وإلا حرام ، فالأصل فيه الحل ما لم نعلم طريقاً لحرمته ، فهذه قاعدة
عظيمة في الدين تريح الإنسان ، معنى المحرمات معدودة والمباحات موسعة وهذا دليل
على كرم الله وفضله على هذه الأمة ، رابعاً أن
شرع الله مبني على موافقة الطبائع البشرية والفطر السليمة من أين نأخذها من
الآية ؟ شريعة الله موافقة للطبائع البشرية والفطر السليمة نأخذه من قوله : ) طَيِّبًا ( بخلاف ما يأمر
به الشيطان فهو مخالف للطبائع البشرية والفطر السليمة ، خامساً أن كل ما أمر الله به وشرعه فهو حلال طيب وكل ما أمر به
الشيطان فهو حرام خبيث ، سادساً أن كل
حلال فهو طيب وكل طيب فهو حلال وكل ما أمر به الشيطان فهو حرام خبيث وكل محرم
خبيثٍ وكل خبيثٍ محرم .
ثم
ذكر الله آية ، نقف إشارة عليهما لأن الوقت انتهى ) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ
اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ( هذه الآية أيها
الأخوة في بيان موقف المكذبين من التشريع ، كأنهم ) قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ
مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا ( لن نتبع هذه
الشريعة فكأنهم أعلنوا كفرهم وإشراكهم .
ثم
بعد ذلك قال الله تعالى : ) وَمَثَلُ الَّذِينَ
كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً
صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ( ماذا تفيد هذه الآية ؟
تفيد
أن هؤلاء الكافرين الذين يتبعون أربابهم ورؤسائهم مثل الأنعام تناديها فتأتي ،
تسوقها فتذهب ، فكذلك هؤلاء يسوقونهم هؤلاء أربابهم حيث يشاءون ، فيحلون لهم ما
يريدون ويحرمون ما يحرمون فقال الله : ) وَمَثَلُ الَّذِينَ
كَفَرُوا ( هؤلاء المتبعون
لأربـابهم ) كَمَثَلِ الَّذِي
يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً ( كمثل البهائم هم
يتبعون أهواء رؤسـائهم ) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ
فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ( حكم الله تعالى عليهم كأن الله تعالى يحكم عليهم بذلك .
نقف
هنا لنبتدئ إن شاء الله تعالى الحديث حول قول الله - عز وجل - : ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ( .
نسأل
الله عز وجل لنا ولكم التوفيق والسداد وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق