تفسير الآيات من 190 - 195
تفسير الآيات من 190 - 195
ثمّ
ذكر الله تعالى القتال ) وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ
اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ( ما مناسبة ذكر القتال ؟ لاحظوا الآن الآيات تجري على الواقع على عهد
النّبي صلى الله عليه وسلّم ، فما هُو الواقع ؟ الآيات واقعة في أيِّ قصّة ؟ هذه الآيات نازلة في عُمرة القَضاء - قضاء الحُديبية - أن
النَّبي صلى الله عليه وسلّم لمّا مُنِعَ من البيت جاء في السنّة الماضية ليقضي
عُمرته ، لأنه كان من عهده بينه وبين قريش أنه يقضي عمرته في السنّة القادمة فأَتى
هو وأصحابه وكانوا يستَّعدون وهم لا يَدرُون ماذا سيُفاجِئُونهم قريش - ربّما
يخونونهم ، أو ربّما يبغتونهم - فكانوا مُتهيئِين بالسِّلاح ومتهيئين للقتال .
فالله
سبحانه وتعالى ذكر هنا آيات القتال - اُنظروا يا إخواني - كيف أنزل الله آيات
القتال ، أنزل آيات القتال في حال أنَّ النُّفوس متهيئة له ، يعني هم الآن
مستعدُّون للقتال لأنّهم أَتَوا يُريدون العمرة يخشَون أن يصُدَّهُم المشركون كما
صدُّوهم من قبل في السَّنة الماضية ، فلمَّا كانت نفوسهم متهيئة للقتال أنزل الله
تعالى تلك الآيات وليست هي تشريعٌ للقتال على وجه العموم ، وإنّما إحكام القتال في
أشهر الحج .
ولذلك
قال الله عزّ وجل : ) وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ
اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ( فقط الذِّينَ يُقاتلونكم ) إِنَّ اللَّهَ لَا
يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ( ليس هو تشريع القِتال عُموماً لأنّه سيأتي تشريع القتـال في قوله
: ) كُتِبَ عَلَيْكُمُ
الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ( أمَّا هذا القِتال إذا وَاجَهكم المشركون ، ) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ
ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ ( إذا ابتدءوكم في القتال . ) وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ
مِنَ الْقَتْلِ ( ما هي الفتنة ؟ الصَّد عن سبيل الله ، الصَّد عن المسجد الحرام ،
منع المسلمين عن العمرة ، هذا أشّد من القتال لأنّه منعٌ للدِّين ) وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ
عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ( إذا دخلتم وقاتلوكم عند المسجد الحرام لا تقاتلوهم ) حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ
فِيهِ ( لأنّه خشية أن يأتي المسلمون فيدخُلوا مكّة فيكون بينهم وبين
المشركين جدال وشِقاق بسبب المخالطة فيما بينهم فيكون هُناك قتال فمنعهم الله من
أن يقاتلوا ويبتدئوا بالقتال ) فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ
فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ
اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ
وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ( . قال في سورة الأنفال ) وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى
لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ( لماذا ؟ لأنَّ هذه الآية نازلةٌ ابتداءً وتلك نازلة بعد أن أكمل الله
تعالى في تشريع القتال عموماً وغزوة بدر لنشر الدّين.
ثم
قال : ) الشَّهْرُ الْحَرَامُ
بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ ( ما المقصود الشَّهر الحرام بالشهر الحرام ؟ يعني الشَّهر الحرام هذا
الذِّي أنتم فيه وقاتلتم فيه - لو حصل قتال - مثل الشّهر الحرام الذّي جِئتم فيه
ومُنعتم يعني يوماً بيوم كما جاء في بعض الروايات ) وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ ( إن قاتلوكم فاقتلوهم .
) فَمَنِ اعْتَدَى
عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ( وهذه قاعدة أصلية من قواعد الدّين في أنَّ الاعتداء لمن اُعتديَ
عليه له حقُّ الاعتداء لكن لابد أن يكون بتنفيذ الوليّ أو الحاكم ) وَاتَّقُوا اللَّهَ
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ( .
ثم
قال : ) وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ
اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ
اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ( ما علاقة آيات الإنفاق أيُّها الإخوة بآيات القِتال قبل قليل ، وبآيات
الحجّ بعدها في قوله : ) وَأَتِمُّوا الْحَجَّ
وَالْعُمْرَةَ ( انظروا يا إخواني كيف جاءت هذه الآية حلقة وصل بين آيات القتال وبين
آيات الحجّ ، القتال يحتاج إلى نفقة ، والحجّ يحتاج إلى نفقة فقال الله عزّ وجل : ) وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ
اللَّهِ ( إعداداً للقتال ، وتهيُّئاً للحج ، انظروا كيف تأتي هذه الآيات
بسياقٍ بديع مترابط .
ثم
قال الله : ) وَلَا تُلْقُوا
بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ( ما المقصود بهذه الآية ؟ المقصود لا تذهبوا للقتال من غير عُدَّة
وهذا إلقاءٌ للنّفس في التهلكة ، فإنسان يذهب للقتال وليس معه عُدّة ولم يتهيّأ
يقول أنا مُتوَكّل على الله !
ليس هذا صحيح لابد أن تفعل الأسباب ولذلك النبي صلى الله عليه
وسلّم لبس درعه في غزوة أحد وهو نبي معصوم محفوظ بحفظ الله ومع ذلك لَبس الدّرع ،
فدلّ ذلك على لزوم وجوب أخذ العدّة للقتال حال الخروج ولا يكفي في ذلك الاعتماد في
الإيمان والتّوَكل ، وإن كان التّوكل على الله - عزَّ وجل - لازم وهو الأساس لكن
التّوكل لا ينافي الأسباب بل يُوافقها ويُكمّلها كما ذكر ابن القيم رحمه الله
تعالى .
وفي
هذه الآية أيضاً دليل على ألا يأتي الإنسان للحجّ وهو ليس معه شيء فيموت قبل أن
يصل إلى الحج فالله سبحانه قال خُذُوا عدّتكم وأنفقوا . ثم قال : ) وَأَحْسِنُوا إِنَّ
اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ( ما المقصود بقوله ) وَأَحْسِنُوا ( ؟ يعني زيدوا في إنفاق ما آتاكم الله عزّ وجل ، لأنّ ذلك زيادة في
الإنفاق في سبيل الله والقتال ، وإعزاز الدّين فهذه الآية دالّة على عِظَم أمر
الإحسان والإنفاق في سبيل الله تعالى وهي دالّة من جهة الحَجّ إلى الإعداد للقيام
بالحج على أكمل وجه وأحسن عمل ولهذا أتبعها بقوله : ) وَأَتِمُّوا الْحَجَّ
وَالْعُمْرَةَ ( .
لاحظوا
) وَأَحْسِنُوا إِنَّ
اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195) وَأَتِمُّوا .. (
فما
أعظم هذا الاكتمال إحسان في العمل يتبعُهُ إتمام ، هذا والله أعلم ارتباط الآية
بآيات الحج .
ثمّ جاء السّياق هنا
في آيات الحج بقوله : ) وَأَتِمُّوا الْحَجَّ
وَالْعُمْرَةَ
يتبع باذن الله تعالي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق