) وَأَتِمُّوا الْحَجَّ
وَالْعُمْرَةَ ( سؤال هنا : لماذا افتتح الله تعالى آيات الحج بقوله
: ) وَأَتِمُّوا
الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ ( ولم يقل ( وأقيموا الحجّ على التوحيد ) ؟
الحج موصول بأصل تشريعه في ملّة إبراهيم ، ولذلك وردت أحكام الحج في سورة مكيّة
وهي سورة الحجّ ) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ
بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ
عَمِيقٍ ( .
فما الفرق بين آيات الحج في سورة الحج ، وبين آيات الحج في سورة
البقرة ؟
في سورة الحج في الأعمال المتعلّقة بالتوحيد ، لأنَّ الحجّ أقيم لأجل التّوحيد
ولذلك جاء في سورة الحج التي هي في سورة مكيّة ، أمّا في سورة البقرة فهي في تفصيل
أحكام الحج ، وإزالة ما أحدثه فيه المشركون – قُريش - من أعمال ليست من سُنّة
إبراهيم لاحظوا الحكمة العظيمة في التّشريع هنا ، تلك في الأحكام المتعلِّقة
بالعقيدة ولذلك جاء ذكر الله تعالى في سورة الحجّ كثيراً ) وَمَنْ يُعَظِّمْ
شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ( ، ) وَمَنْ يُعَظِّمْ
حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ ( ، ) وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا
لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ( انظروا هناك فيها إقامة الذّكر والعقيدة والتّوحيد ، هنا التفصيلات في
التّشريع وإزالة ما أحدثه المشركون ، وأهل الكتاب في الحجّ .
قال
الله تعالى : ) وَأَتِمُّوا الْحَجَّ
وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ( أخذ العلماء من هذه
الجملة أحكام منها :
(1) وجوب إتمام الحجّ لمن دخل فيه , يعني من أحرم
بالحجّ أو العمرة حتى لو كان نفلاً هذا خاصّ بالحجّ , أما الصلاة فالنفل يجوز
قطعها لكن في الحج عمرة أو حجاً قال العلماء وجوبُ إتمام الإحرام ولا يجوز الإنسان
أن يقطعه حتى يُتمّه استدلالاً بهذه الآية , ولهذا قال : ) لِلَّهِ ( ثم قال الله تعالى في أحكام الحِصار المُحاصرة , لماذا أورد الله
تعالى أحكام الحصار ؟! لأنّها محتمَلة الآن في مجيء النبي صلى الله عليه وسلم في
عُمرة القضاء , الله أكبر يعني هنا تنزل الآيات على حسب الأحداث والوقائع , فقال :
) فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ ( هنا قال : ) أُحْصِرْتُمْ ( ولم يقل : حُصُرتُم ! , ما الفرق بين أُحصرتم وحُصرتم ؟!
الفرق بين أُحصرتم وحُصرتم أنّ الحصر حُصِر خاصّ بالعدو, فإذا
حصركم العدوّ, وأُحصرتم : أيّ منعكم مانع من الحج , فيدخل فيه العدوّ ويدخل فيه
المرض ويدخل فيه الحابس أيّ حابس يحبس الإنسان , فالله عز وجل
جاء بهذه الآية بعُمومها لم يخصّها بالعدوّ لأنّ هناك حاصرٌ غير العدوّ , كما هو
الحال الآن فيمن يذهب فيُلبّي بالحج ثم يأتي فيُمنَع , فيدخل في هذا الحكم في
الحصر , قال الله عز وجل ) فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ
فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ( لاحظ كلمة ) اسْتَيْسَرَ ( لم يُكلّفّهم الله تعالى أكمل الهدي وإنّما ما استيسر منه .
(2) ثم قال الله عز وجل أيضاً في مانع من موانع الحجّ
, مانع كُلّي وهو الحصر , ثمّ مانع جزئي , ما هو المانع الجزئي ؟! المانع الجزئي
تغطية الرأس , لا يستطيع لابدّ أن يُغطّي رأسه , كما في قصّة مالك بن عجرة حينما
كثُرت عليه في رأسه القمل وتأذّى منه فاستأذن النبيّ صلى الله عليه وسلم في
تغطيتِه أو في حلقه .
فقال
الله ) وَلَا تَحْلِقُوا
رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ( هنا هذا حُكم الأصل ( لَا تَحْلِقُوا
رُءُوسَكُمْ ) إذاً هذا في حلق الرأس , أين محظورات الإحرام الأخرى ؟! ذكر
الله تعالى هنا الأهمّ وذكر الله تعالى هنا ما هو مُتعلّق بالنُسك مباشرة وهو كشف
الرأس فيدخل فيه المحظورات الأخرى كما جاء في السنّة عن النبي عليه الصلاة والسلام
.
(3) ثمّ قال : ) فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ
أَذًى مِنْ رَأْسِهِ( قوله المرض يدخل فيه محظورات الإحرام المتعلّقة بالمرض المانعة ,
كالمرض الذي يدعو إلى لبس المخيط مثلاً , أو المرض الذي يتناول فيه الإنسان مثلاً
, أو المرض المانع من أداء واجب من الواجبات , ثمّ قال : ) أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ
رَأْسِهِ ( كما هي في قصّة مالك , قال : ) فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ
أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ( وسّع الله تعالى الفدية هنا وهي فدية جُبران لا فدية شُكران كما
سيأتي , صيام ثلاثة أيام أو صدقة أو نسك وهو
ذبح شاة .
(4) قال الله : ) فَإِذَا أَمِنْتُمْ ( يعني وصلتم البيت , لاحظ هنا وصول البيت , قال الله : ) فَإِذَا أَمِنْتُمْ
فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ( . هنا تشريع جديد من تشريعات الإسلام ما هو ؟! من يذكره ؟! تشريع
جديد لم يكن في الأمم السابقة وهو التمتّع ,
التمتّع هو رخصة لهذه الأمّة دون سائرها , ولذلك كان أهل الجاهلية يعيبُون جَمع
العمرةِ على الحجّ ويعتبرونه نقصاً , ولهذا جاء شهر رجب الذي يُسمّونه رجب مُضرّ ,
أيّ هو رجب شهر العمرة لمُضرّ التي هي قبائل قريش وما يتبعُها من قبائل العرب ,
فسُمّي رجب مُضرّ لأنّه أُبيح لأجل مُضرّ , ثمّ قال الله سبحانه وتعالى : ) فَمَنْ تَمَتَّعَ
بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ( المراد بالهدي هنا : هدي التمتّع
, هذا هدي شُكران وذاك هدي جُبران , وما الفرق بينهما ؟! أنّ هدي الشُكران وهو هدي
التمتّع يُشرع فيه الأكمل , ولذلك النبيّ صلى الله عليه وسلم قدّم فيه كم ؟! مائة
من الإبل , أمّا هدي الجُبران فيكفي فيه شاة ما تيسّر منها , فلاحظوا الفرق بينهما
يعني هدي التمتّع يُشرع للإنسان أن يُكمِلّه لأنه هدي شُكر , وهدي
الجُبران يكفي الإنسان فيه أن يُؤدّي فيه ما تيسّر ولو شاة صغيرة أو ضعيفة ,
لكن هدي التمتّع لابدّ من كمالها وتمامها , ويُفضّل أن تكون من أغلى وأسمن الهدي .
(5) قال الله عز وجل : ) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ ( أي الهدي , لاحظوا هذا تخفيف من الله عز وجل , من لم يجد الهدي
للتمتّع , قال : ) فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ
أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ ( لماذا قسّمها الله ؟! تخفيفاً للأمّة وجعل الأخفّ في الأيام التي
فيها مشقّة وهي أيام الحج ثمّ السبعة إذا رجعوا إلى أهليهم , ثم أكدّها لئلّا
ينسَوها , قال : ) تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ( لأنّ الإنسان إذا ذهب إلى أهله انشغل بدنياه وأهله وربّما نسيّ ما
وجب عليه , فأكدّها الله بقوله : ) تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ( أي لا تتساهلوا في الباقي بعد أن صُمتم ثلاثة أيام , والعلماء
يقولون أنّه لو صامها كلَها في الحجّ لأجزأه ذلك , لأن الله شرع السبعة تخفيفاً ,
فلو عجّلها الإنسان فلا بأس بهذا , ثم قال الله : ) وَاتَّقُوا اللَّهَ
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ( كيف خُتِمت الآية بقوله : ) وَاتَّقُوا اللَّهَ
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ( مع أنّ فيها التيسير والتخفيف والرّحمة لهذه الأمّة ؟!
عظيم
يا إخواني هذا الملحظ الختام العظيم , انظروا إلى القصّة التي وقعت مع النبيّ صلى
الله عليه وسلم , اقرنوا هذا واربطوه بتلك , أنّها نازلة ابتداءً على النبيّ عليه
الصلاة والسلام في حال عمرة القضاء ومنع المشركين أو احتمال منعهم, فلمّا أدُّوا
عمرتهم واكتمل فضلُ الله عليهم بإتمام العمرة قال الله عز وجل : ) وَاتَّقُوا اللَّهَ
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ( هذا فيه تبشير للمسلمين , كيف ؟! ) شَدِيدُ الْعِقَابِ ( وهو تبشير للمسلمين ؟! هو إشارة ووعد من الله بأنّ الله سيُعذّب
الكافرين هؤلاء , قال الله : ) وَاتَّقُوا اللَّهَ ( أنتم , ثم قال : ) وَاعْلَمُوا أَنَّ
اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ( لهؤلاء الكافرين الذين كانوا في البيت واحتملتم أنّهم يصدُونّكم ,
فأبشروا فإنّ الله مُعاقبهم وممُكنُكم من البيت , ولذلك ذكر بعض العلماء هنا لفتة
بأنّ هذا وعدٌ كريمٌ من الله بتمكين المسلمين من البيت الحرام , أرأيتم مع أنَّ
القارئ لهذه الآية يقف متحيراً , كيف تُختم آيات التَّخفيف والرحمة بالشدّة
والعقاب ؟! فالخطاب هنا والله أعلم راجعٌ إلى الكافرين أهل مكة الذين صدُّوا
المسلمين ومنعوهم وأرهبوهم , فالله تعالى يتوعدّهم ويُبشّر المؤمنين بأنّ لهم
التمكين بإذن الله تعالى .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق