تفسير الآيات من 200-203


 تفسير الآيات من 200-203

ثم قال الله : ) فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا (  ) فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ ( يعني انتهى الحجّ , وهذا يدلّ في قضيّة ) قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ ( على جميع مناسك الحجّ بعد ذلك , ما هي الباقية ؟! ما هي المناسك الباقية بعد الإفاضة من مزدلفة ؟! أيام العيد وما فيه من أعمال الحجّ , وقد ذكرها الله في سورة الحجّ في قوله تعالى : ) وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ (  .


فإنّ الذبح في أيام العيد هو أعظم الشعائر ذلك اليوم وأعظم النسك , فذكره الله في سورة الحجّ لإقامته على التوحيد , ثم قال الله : ) فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا ( ما مناسبة قوله : ) كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا ( ؟! يعني كان المشركون بعد الحجّ يُقيمون الأسواق فيذكرون آباءهم بالأشعار ، والثناء ، والتفاخر وغير ذلك , انتهى ذكر الله عندهم , بعد الحج انتهى , فيُقيمون الأسواق لذلك , فقال الله عز وجل : ) فَاذْكُرُوا اللَّهَ ( بعد الحجّ , وهذا فيه مشروعية الدوام على ذكر الله وأنّ الإنسان لا ينقطع عمله حتى بعد أداء الفريضة والنُسك , ينبغي أن يُتابِع الحسنة بالحسنة , بعد ذلك قال : ) رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً ( ممّا يُؤكدّ ذلك , فهذه الآية دليلٌ على متابعة الحسنة بالحسنة ، وإقامة ذكر الله بعد العبادة بكل ما فيه ذكرٌ لله عز وجل , قال : ) كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا ( يعني كأنّ الله تعالى يقول ينبغي أن تذكروا الله عز وجل هنا ولا تذكروا آباءكم , لأنّ الله تفضّل عليكم بإقامة الحجّ ويسّره لكم , أليسَ الأولى أن تذكروه ؟! وهذا مِثَل قوله : ) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ( فكأنّ الله تعالى يقول الأولى بكم أن تُقيموا هنا ذِكر الله لا تُقيموا ذِكَر آباءكم , ما علاقة الآباء بالحجّ والتفاخر فيها ؟! .


ثمّ ذكر الله تعالى حال الناس بعد الحجّ إشارة إلى حال المؤمنين وحال الكافرين , حال الكافرين بعد الحجّ ماذا يقولون ؟! كانوا يقولون يا ربّنا ارزقنا , أمطرنا , ارزقنا غنماً , ارزقنا مالاً , ارزقنا كذا وكذا من أمور الدنيا , هذا بعد الحج أهذا شكر الله ؟!


أمّا المؤمنون قال الله عز وجل عنهم ، بعد أن قال عن الكافرين ) فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا ( ربّنا ارزقنا مالاً ، غنماً ، زرعاً ، إلى غير ذلك , ) وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ( أي الآخرة ليس هي همّه وليس هي طلبه , وهذا نأخذ منه أيّها الإخوة فائدة عظيمة أنّ الإنسان إذا كان همّه في دعائه فقط يُرزق مالاً يُرزق ولداً ، يرزق كذا , ولا يدعو للآخرة هذا يشابه المشركين , فإنّ المشركون يدعون الله , لكنّهم لا يدعون الله إلا في أمور دنياهم , فمن شابه هؤلاء فقد شابه المشركين من هذا الوجه يعني تعريضاً بالذمّ وليس هو محرّم , كيف تنسى آخرتك وهي أعظم ؟! فالأولى والأكمل للإنسان أن يدعو في الحالين جميعاً وهو حال المؤمنين الذين قال الله فيهم : ) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (  هذه الآية أو هذا الدعاء إخواني الكرام يجهله كثير من الناس في معناه مع فضيلته وعظمه , والنبيّ صلى الله عليه وسلم جعله في أفضل مكان في الطواف بين الركنيين , يعني شَرع ذكر هذا الدعاء بين الركن اليماني والحجر الأسود لفضيلته ولأنّه يجمع خير الدنيا والآخرة كيف ذلك ؟! ذلك - سلّمكم الله - إلى أنَّ قول الله عز وجل : ) رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ( تُفيد - سلّمكم الله - كلّ حسنة في الدنيا , كل أمر حسن .


ما هي الأمور الحسنة في الدنيا ؟! ذكر بعض السلف هنا أنواع : الزوجة الهنيئة ، والمال الوفير ، والولد الصالح ، والبيت الواسع ، السلف عددّوا فقولك : ) رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ( يشمل كل أمر تحسن فيه حياتك , ألستَ تُريد أن تحسن حياتك كلّها في مالك ، وزوجك ، وولدك ، وبيتك ، وعملك , اجمعها في هذا الدعاء .


ولذلك أنس لا يدعو بدعاء إلاّ ختمه بهذا الدعاء , وهذا مشروع أن يختم الإنسان دعاءه بهذا الدعاء ونأخذه من هذه الآية , لأنّ الله خَتَم بها الحجّ فيُشرع في ختـام كلِّ دعاء ) رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ( فجمع الله تعالى في هذا الدعاء خيَر الدنيا بالحسنة وجَمع حسنات الأخرى , ما هي ؟!


النعيم في الجنّـة ، ورضا الله ، ورؤية وجهه ، والحـور العين ، والجنّـات ، والدرجـات العلى كلّها داخلة في قوله : ) حَسَنَةً ( حقيقة في كلام هنا لشيخ الإسلام جميل ذكره هنا, لكن ربّما يصعب البحث عنه - ليتكم تراجعونه - 

ثمّ قال الله : ) أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا  . هؤلاء المشركون لهم نصيب في الدنيا وهؤلاء المؤمنون لهم نصيبهم في الدنيا وفي الآخرة , ثم قال الله : ) وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ( .

ثمّ ختم الله تعالى الآيات بقوله : ) وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ (  الإشارة هنا لأحكام ماذا ؟! انظروا ترتيب الآيات على وفق الحجّ أي أيام التشريق , إشارة إلى أيام التشريق , قال الله : ) وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ ( وذكر الله تعالى أنّها أيام معدودات إشارة إلى أنّها قليلة , فينبغي أن تستثِمرُوها , ولاحظوا الحكمة الإلهية يا إخواني في أيام التشريق , أيام التشريق ليس فيها عمل كثير , أليس كذلك ؟! ليس فيها بعد يوم العيد إلاّ الرمي ، والمبِيت ، ثمّ طواف الوداع , يعني يوم العيد الذي هو يوم النَّحر ويوم الحجّ الأكبر يقضي فيه المسلم أربع نسك : يقضي فيه رمي جمرة العقبة فقط , وذبح نسكِهِ إن كان مُتمتِعاً أو قارناً , أمّا المُفرد فليس عليه هدي , ثمّ حَلق رأسه أو تقصِيره , ثمّ طواف الحج والسعي , طواف الحجّ وهو الركن , وأيضا السعي هو ركن على الصحيح للمُتمتّع ، والقارن ، والمُفرد . ويسقط سعي الحج هنا للمفرد والقارن إن سعيا في طواف القدوم , أمّا المُتمتّع على الصحيح فعليه سعيان , مع أنّ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول أنّ عليه سعي واحد .
ولكن غالب ما عليه عُلماؤنا وجمهور العلماء بأنّ عليه سعيان :
سعي العُمرة وسعي الحج , أما القارن فيسقط عليه سعي الحجّ إذا سعى في عمرته لأنّه قرن بين الحجّ والعمرة , وكذلك المفرد إذا جاءَ بطواف القدوم في الحجّ , المفرد ليس عليه طواف قدوم وليس عليه سعي , لكن لو جاء أفرد ثم جاء للبيت وطاف وسعى فهذا السَّعي يُسقط عنه سعي الحجّ , أمّا الطواف لا يُسقطه عنه , هذا يوم العيد .
أمّا أيام التشريق ليس فيها إلا عمل واحد وهو رمي الجمار , وفيها أيضاً المبيت , لماذا لم يكن فيها أعمال ؟! لكي يتفرّغ المسلم لذكر الله عز وجل , ولهذا وجب ذكر الله عند رمي الجمرات , فإذا أراد أن يرمي الجمرات يجب أن يقول الله أكبر , لأنّ المقصود هنا ليس رمي الجمرة ولكنّ المقصود التكبير إقامة ذكر الله عز وجل , فقولك : الله أكبر هنا إقامة لذكر الله عز وجل , ثم يُشرع بعد رمي الجمار الدعاء وهو سنّة النبي صلى الله عليه وسلم .
ولماذا شُرع الدعاء بعد رمي الجمرة لماذا ؟! لأنّه عقِب رمي الجمار في اليوم الحادي عشر، والثاني عشر ، والثالث عشر , أمّا في اليوم العاشر لا يُشرع الوقوف لماذا ؟! لأنّ أعمال الحجّ في ذلك اليوم كثيرة , والحاجّ قد أتى من مُزدلفة وهو مُرهَق فالنبيّ صلى الله عليه وسلم لم يَشرّع الدعاء بعد رمي جمرة العقبة يوم العيد لأنّه وقتٌ مزدحم بالأعمال , فانظروا رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بأمّته أراد أن يُخفِف عنهم , لكن أيام التشريق ليس عندهم عمل فشَرع الدُّعاء الطويل بعد رمي الجمرة الأولى ، ورمي الجمرة الثانية ، ولم يَشرعه في الثالثة لأنّه انتهى هنا وهو عازم في الذهاب فما أعظم حكمة النبي صلى الله عليه وسلم في التيسير على أمّته .
فأقول إخواني الكرام هذه الحكمة يغفل عنها كثير من الناس وهي في هذه الأيام وهي إقامة ذكر الله عز وجل وذكرُ الله يشمل : الصلاة والدعاء والذكر والتسبيح والتكبير , ولهذا يُشرع التكبير هنا التكبير المطلق وقوله : ) فَاذْكُرُوا اللَّهَ ( يُشير هناك في التكبير المقيّد الذي يبتدئ بعد صلاة الفجر من يوم عرفة , فذُكر في الآيات أُشير في الآيات إلى الذكر المُقيّد في قوله : ) فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا ( ممّا التمسه بعض العلماء , وأما قوله : ) وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ ( فهو الذكر المطلق والله تعالى أعلم .
قال الله عز وجل : ) فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ ( وهذا إشارة إلى رحمة من رحمة الله وتخفيفه بالتعجّل , قال : ) وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى ( هنا سؤال لماذا قال الله في التأخّر : ) وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ( مع أنّه قد أتى بكمال الحجّ ؟!. أمّا قوله : ) فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ( في الأولى يعني أنّ حجّه تامّ , لا تثريب عليه ولا يأتي في باله أنا ما جلست , ربّما ينقص أجري ولا يتمّ , فقال الله : ) فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ( وفي هذه الآية دليل على ما قاله النبيّ صلى الله عليه وسلم : « من حجّ فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه » فكأنّ النبي صلى الله عليه وسلم انتزع هذا الأجر من هذه الآية بقوله : ) فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ( هو تعجّل , فقال الله : ) فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ( ، ) وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ( فهذه الجملة في الحالين دالّة على ما أخبر به النبيّ صلى الله عليه وسلم من مغفرة الذنوب بتمام الحج « من حجّ فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه » هذا ممّا يلتمس من الآية , المعنى الآخر في قوله : ) وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ( معناه فمن تأخّر لليوم للثالث عشر , لأنّه من بقيَ اليوم الحادي عشر والثاني عشر قبل غروب الشمس يوم الثاني عشر لابدّ أن يخرج ، قبل الغروب , فإن بقي بعد الغروب يلزمه البقاء لليوم الثالث عشر - يوم واحد - .
) وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ( طيب إذا تأخر قال الله : ) فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ( لماذا لم يقل ومن تأخرّ فله أجر ؟! فمن تعجّل هو وإفادة تعجّل نأخذ منها أفضلية التأخّر وهي أنّ التَّعجُل هنا الأصل فيه التأخّر , فقال الله فمن أراد التعجّل , فلفظ التعجّل هنا ما قال فمن تقدّم ومن تأخّر , قال : ) فَمَنْ تَعَجَّلَ ( فالتعبير بالتعجّل بدل التقدّم نأخذ منه أفضلية التأخّر لأنّ فيه زيادة أجر , لكن قوله : ) وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ( يُفيد أيضاً المعنى الثاني - أيّها الإخوة - أنّه ربّما بقي الإنسان لحاجة من حوائج دنياه , ولاحظوا ربمّا الإنسان يتأخّر لا لأداء النُسك ورمي الجمار وإنّما يتأخّر ليزداد قوتاً ويتزودّ ، أو يذهب للأسواق أو غير ذلك , وهذا هو الواقع في كثير من الناس أنّه يتأخّر لأجل هذا , فربمّا هذا يَشعر الإنسان أنّه انشغل بالتجارة ، انشغل بالبيع والشراء ووقع في نفسه حرج هل نقص حجّه بهذا الانشغال أم لا ؟!
لأنّ كان من عمل الجاهلية إقامة الأسواق بعد الحجّ مباشرة , يعني بعد اليومين هم ما عندهم يوم ثالث , فهذا التأخّر لم يكن من عملهم ، وإنَّما هو من تشريع الإسلام تخفيفاً على هذه الأمّة لكي قد يكون الإنسان مُتعب بعد الحجّ , قد يكون الإنسان ليس عنده زاد فيتزودّ , قد يكون الإنسان لم يؤدي نُسكَه أو بقي شيء عليه من النُسك , انظروا حكمة التأخير هنا , قد يكون الإنسان يُريد الكمال يُريد التزّود من الأعمال الصالحة فيتأخّر , فقوله : ) فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ( لمن تأخّر يُريد التجارة , أو تأخّر يُريد التزوّد من الدنيا , فهذا معنى لطيف في هذه الآية والله أعلم , قال الله عز وجل : ) لِمَنِ اتَّقَى ( أي لمن اتقّى الله عز وجل في هذه الآيات , واتقّى الله في بقائه ولم يأتي محظوراً خشية أن يقع فيما كان عليه أهل الجاهلية من المضاهاة ، والتفاخر بالآباء ، وغير ذلك .
قال : ) وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ( والله ما أعظم هذا الختام ! قال : ) وَاتَّقُوا اللَّهَ ( ربطاً ونظماً للتقوى بما ذكره في الأحكام كلّها , لكن قوله : ) وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ( .
ختام عظيم بعد الحجّ
ما سرّ ربط آيات الحجّ بالتذكير بالحشر ؟! أنّ الحجّ فيه حشرٌ للنّاس , وفيه تجرّد من المَخيط , تذكير بأحوال الآخرة , حال الآخرة والقيامة فيه ظاهرة ولذلك من أحكامه ومن مقاصده التذكير بذلك اليـوم , أرأيتم سورة الحجّ بماذا افتتحت ؟! سورة الحجّ اُفتتحت بقوله : ) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (  كأنَّ الله تعالى يقول أنتم الآن تستعدوا لذلك اليوم الذي تُحشرون فيه , فذكر الله تعالى فيها آية الحجّ لأنّها مُذكّرة بيوم الآخرة والحشر , أرأيتم هذا السرّ العظيم في آيات الحجّ افتتاحها بذكر يوم القيامة , فهنا ذَكَر الله تعالى قال : ) وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ( أي تذّكروا بهذا الحجّ الذي كنتم فيه مقصداً عظيماً , وهو يوم قدومكم على ربّكم متجرّدون من ملابسكم وممّا أنتم فيه , قادمون بأعمالكم وأنتم في هذا الحجّ أتيتم مجرَّدين تتجرّدون من مخيطكم ، لتزدادوا من أعمالكم فتذّكروا ذلك .
فهذا المعنى العظيم - أيّها الإخوة - يجب أن يتذّكره الإنسان في حجّه .
قال البِقاعي كلاماً جميلاً :
ولماّ كان الحجّ حشر في الدنيا , والانصراف منه يُشبه انصراف أهل الموقف بعد الحشر عن الدنيا فريقاً إلى الجنة ، وفريقاً إلى السعير ذكّرهم الله تعالى بقوله : ) وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ( .
قال الحرَّالي : وكليّة الحجّ ومناسكه مُطَابقةً في الاعتبار لأمر يوم الحجّ , وموافقةً في خروج الحاجّ من وطنه متزوداً ، كخروج الميّت من الدنيا متزوّداً بزاد العمل , ووصوله إلى الميقات ، وإهلاله بالحجّ متجرداً كانبعاثه من القبر مُتعرّياً , وتلبيته في حجِّه ، كتلبيته في حشره ) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ ( وكذلك اعتباره موطناً إلى غاية الإفاضة والحلول بحرم الله في الآخرة التي هي الجنّة ، والشُرب من ماء زمزم التي هي آية نُزُل الله لأهل الجنّة على وجوه الاعتبار يُطالعها أهل الفهم واليقين , فلأجل ذلك أتمّ ختام أحكام الحجّ بذكر الحشر .
تأمّلوا أيّها الإخوة أختم بهذه المسألة المهمّة :
ورد ذكر الذكر والتقّوى في الحج متكررا ًظاهراً , أولاً فيه تركيز على روح العبادة ومقصدها الأول وتكراره لتستحضره النفوس في هذه العبادة , لئلّا يكون قصدها هو المظهر أداء فقط رمي الجمرة ، الطواف ، السعي , ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال : إنّما أُقيم الطواف والسعي ورمي الجمار والسعي بين الصفا والمروة , قال : لإقامة ذكر الله تعالى
فيجب يا إخواني أن يستشعر المسلم في حجّه هذا المقصد العظيم في الحجّ وهو إقامة ذكر الله فيُعظّم الله في قلبه ، ويذكر الله في لسانه ، وحاله ، وقلبه ، وأعماله .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق