تفسير الآيات من 211 - 215
المقطع الثاني :
) سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آَتَيْنَاهُمْ مِنْ آَيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (211) زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (212) كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (213) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214) يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215) ( .
ثم قال سبحانه وتعالى ) سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آَتَيْنَاهُمْ مِنْ آَيَةٍ بَيِّنَةٍ ( [1] بمعنى : أنَّ بني إسرائيل في تلكُأِهم في الأمر كانوا يطلُبون الآيات ، إذا قيل لهم افعلوا أو لا تفعلوا تلكأُوا ، ومع ذلك كان منهم من الإعراض ما كان ، فليست القضية أن يروا آية بينة عياناً حتى يعتبروا .
لكن الأصل هو استسلام وطاعة هذا القلب لله عز وجل ، وليست القضية قضية رؤية آيات ومعجزات ، فقد رأى بني إسرائيل من الآيات من العصا ، وغيرها من الآيات ، وفلق البحر وغيرها من الآيات التي جاء بها موسى ، فقال الله عز وجل ) سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آَتَيْنَاهُمْ مِنْ آَيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ( والنعمة هنا هو ما هداهم الله عز وجل فيه ، والتحذير من الارتداد والانحراف .
يقول الله سبحانه وتعالى بعد أن بيَّن الأمر بالدخول بالسِّلم كافة ، وأحوال الناس ، بيَّن أيضاً أن من أسباب انحراف الكافرين تزيين الحياة الدنيا ، فقال جلّ وعلا ) زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ( [2] .
* جزء من النَّاس ينحرف بسبب شبهة .
* وجزء ينحرف بسبب شهوة .
فمن ضمن انحراف هؤلاء بعض الذين كفروا ) زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ( ومع هذا التزيين يحسَبون أنَّ الميزان للحياة الدنيا ، ولذلك ضرب الله عز وجل أمثلة ، ومن أوضحها ما جاء في قصة سورة الكهف أنَّ الدنيا سبب في انحراف الكثير ، بل إنّ هناك علماءً ينحرفون قال الله عز وجل في سورة الأعراف ) وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ( [3]
) أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ ( أحب الدنيا ، لاحظوا – التّعبير القرآني - ) أَخْلَدَ ( حتى في التصاق الحروف ) أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ( ولذلك ضرب الله عز وجل له مثل مع أنَّه من العُلماء بلعام بن باعوراء من علماء بني إسرائيل ، انحرف بسبب زينة الحياة الدنيا ، فضرب الله عز وجل له المثل بالكلب ) إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ( .
والكلب من أخس الحيوانات في مسألة واحدة وهي أنَّه إذا جاع لهث ، وإن شبع لهث .
وهـذا الذي آتـاه الله من العلم ، أشبعه الله بالآيـات ، لكنَّه أخلد إلى الأرض ) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا ( تأمّل في قوله ) لَرَفَعْنَاهُ ( !. وسنأتي إلى مسألة الفوقية والدُّونية في الآية .
إذاً قال الله سبحانه وتعالى ) زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ( ولذلك أيضاً قال سبحانه وتعالى ) وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ( [4] . وقال سبحانه وتعالى للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) ) وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ( [5] .
فإذاً هؤلاء الذين كفروا ) زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ( ومع هذا التَّزيين ، وظنّهم أنَّ الحياة تبدأ هنا ، وتنتهي هنا ، يسخرون ! - يعني مع هذا الانحراف في التَّصور - سخروا من الذين آمنوا ) وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا ( .
قال الله سبحانه وتعالى ) إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ (29) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (30) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (31) وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ ( [6] عجيب كأنهم مسؤولين عنهم ؟! من الضّال ؟!
إذاً الحياة الدنيا ) كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى ( [7] .
فالحياة الدنيا قد تُطغي ، فهؤلاء زُيِّنت لهم هذه الحياة ، والدنيا بعمومها تُزيَّن للمؤمن والكافر لكن المؤمن لا يستغرق في كل زينتها . ولا ينخدع بهذه الزِّينة ، ويعلم أنَّ هذا ابتلاء ، وأمّا الكافر فإنّه ينساق وراء هذه الزينة .
) إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ ( [8] فهُناك ابتلاء ، لكن نجح أهل الإيمان ، وانحرف أهل الكفر ، فحسبوا وانتقلوا من كفرهم إلى السخرية كذلك بمن آمن وحسبوا أنَّ الذين آمنوا دونهم ) وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا ( ولذلك قال ) وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ( وليس المُقام فقط في هذه الحياة .
ولذا قال الله سبحانه وتعالى ) وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ ( ما مناسبة الفوقية ؟ لأنَّ العادة أنَّ الذي يسخر يرى أن المسخُور به دونه ، هل يوجد أحد يسخر بمن هو أعلى منه ؟! هذا نادر ، لكن السخرية عادةً تقع من الأعلى إلى الأقل في الغالب ، ولذلك هنا جاء الردّ والعقاب مناسب ) وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ( .
ثم قال الله سبحانه في بيان أحوال النَّاس :
) كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً ( [9] واختُلِف في الناس ، هل المُراد بالناس يوم أن كانوا أمة واحدة على شريعة واحدة :
* قيل : هم آدم وحواء .
* قيل هم ذرية آدم وحواء وخاصةً - كما يقول المؤرخون - أنّ بين آدم ونوح ألف ومئتين سنة (1200) . وآدم كما تذكر كتب التاريخ عاش تسعمائة وستين عام (960) ، فكان هو وأبناؤه على التوحيد ، ما حصل انحراف ، ولما حصل انحراف أُرسل نوحٌ عليه السلام .
* وقيل : أنّه كان أمة واحدة – الذين هم في سفينة نوح -
على كل حال قال الله سبحانه ) كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً ( فحصل الاختلاف ، ولمَّا حصل الاختلاف معنى ذلك أنَّ منهم من كان على المنهج الصحيح ، ومنهم من انحرف فبعث الله النبيِّين والأنبياء كثير :
* قيل أنهم أكثر من مئة وأربع وعشرين ألف نبي .
وأما الرسل فهم ثلاثمائة وثلاث عشرة رسول .
والذين جاء ذكرهم في القرآن : ما يقارب العشرين أو ثمانية عشر رسول .
) فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ ( هنا نلاحظ أنَّ التبشير سابق للإنذار ، وأظن في اثنين وأربعين آية كٌلّها يأتي التبشير في الرسالات قبل التنذير ، أظن إلا في موضعين في سورة هود وفي سورة الأعراف ؛ لأنّها في موضع الإنكار في مسائل العقيدة فقُدِّمت وإلا المعتاد أن البشارة تأتي قبل النذارة ، ولذلك ينبغي أن نسلك هذا المسلك في دعوتنا أنَّ تكون الدعوة يغلبُ عليها التبشير ، ثم يليها التنذير ونجمع بين الأمرين ) مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ ( .
ثم قال الله سبحانه وتعالى ) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ ( [10] فهنا أيضاً جاءت في قصة تبوك ، وهذا لما جاءت بعض المحن ، والفتن لأصحاب النَّبي ( صلى الله عليه وسلّم ) خاصة في تلك الغزوة ) حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ ( والمراد هنا ليس استبعاد وإنما استبطاء ، بمعنى يتمنُّون ، كأنهم يقولون يا رب نصرك القريب ، يا رب فرجك
مررت بهذه الآية مروراً سريعا حتى نتحدث في بعض التفصيلات في آيات الأحكام .
نأتي - بعد هذه المقدمة - بالأمر بالدخول في السِّلم كافَّة ، والحذر من اتباع خطوات الشيطان وغيرها ..
جاءت التفريعات لأجل أن ننضبط ، فلا يأتي أحد ويقول هذه فروع وقشور ، وهذه أصول ، لا .
ينبغي أن ندخل في السِّلم كافة ، حتى أنَّ أحد اليهود أنكر على سلمان وقال : إن رسولكم أخبركم بكل شيء ! . قال نعم أخبرنا وأنبأنا بكل شيء وعلمنا كل شيء حتى الخِراءة . - يعني حتى كيف نفعل في آداب قضاء الحاجة . [11]
لذلك ينبغي على الإنسان أن يسأل في كل أحواله صغيرها ، وكبيرها عن ماذا أمر الله به ؟ وماذا أمر رسوله ؟ وأين الدليل في هذه المسألة في صغير الأمر وكبيره ؟
نأتي بعد ذلك إلى أول سؤال في هذه الآيات ) يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ ( [12] والسؤال في القرآن جَاء في عموم القرآن في خمسة عشر موضعاً ، والعجيب أنّ سورة البقرة لها النصف أو سبع مواضع جاءت في سورة البقرة ) يَسْأَلُونَكَ (
وصيغة يسألونك بالمضارع تدل على التَّجدُد والاستمرار ، وأنَّ السؤال وقع منهم ، أمَّا ما جاء في النهي عن السؤال فالمراد بالنهي عن السؤال سؤال التعنُّت ، والعجيب أكثر في لفظة ) يَسْأَلُونَكَ ( أنّها جاءت في مسائل التفريعات . وقد جاءت أيضاً في بعض السور ) يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ ( [13] ، ) وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ( [14] ولكن أكثر آيات السؤال في أمور التفريعات والتشريعات .
) يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ ( ، والجواب ؟
السؤال عن نوع المنفَق ؟ والجواب عن المصرِف .
وإن كان بعض أهل العلم قال أنّه جاء ضمن الآية لكنَّه - باختصار ومطوي – أين ؟ كلمة " من خير " ولم يفصِّل فيه ، وإنَّما التَّفصيل جاء في الأهم وهم أهله .
وتُلاحظون أنّ أكثر سؤال النَّاس اليوم - مع الأسف - عن المال وزكاته ، قلَّ من يسأل عن أنواعه ؟ وفيمن يصرفه ؟ ولذلك قد تصرف الأموال وتوضع في غير موضعها .
وهذا السُّؤال يعني إمَّا أن نقول جاء الجواب بالأهم ، أو نقول جاء الجواب لكن فيه زيادة ، فينبغي إذا جاء المعلم أن يُعلِّم فسأله السائل ورأى أن سؤاله يدل على ضَعفٍ فيه في جانب ويحتاج إلى جانب أهم بيَّن له .
كما سُئِلَ النبي عن البحر ، عندما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن البحر في ركوبهم البحر فأجابهم بالوضوء وبحلِّ ميتته ، ما دام يجهلون هذا فمن باب أولى سيجهلون غيره . فقالوا ( إنا نركب البحر أفنتوضأ منه ) .. الحديث [15] .
فإذاً هنا ننتبه إلى أنَّ السؤال هنا – ولعله الأقرب - أنَّه جَاء التفصيل في الشَّيء الأهم ) يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ ( والخير في القرآن يُراد به : المال قال الله ) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ ( [16] ، ) إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ ( [17] .
ولذلك لما علي رضي الله عنه سأله سائل ، أراد أن يوصي ، فقال : كم خلَّفت ؟ قال : ألفين درهم أو ألفين دينار ، قال : ما تركت خير لا توصي ، يعني هذا ليس خيراً ، ليس مالاً كثيرا .
) إِنْ تَرَكَ خَيْرًا ( ولذلك هنا قال الله سبحانه : ) يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ ( ثم جاء الترتيب ، والترتيب مقصود ، فالأوَّل من هم ؟
طبعاً هل هذه الآية منسوخة ، أو محكمة ، قيل أنَّها منسوخة ، بماذا ؟ بـ ) إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ ( [18] لأن الوارد بالنسبة للزَّكاة ، أنه فَرعُك ، وأصلك لا يجُوز أن تعطيه من الزكاة ، والبقية ممكن . فهنا جاء الوالدين والأقربين ، ويمكن بعض الأقربين ممن تلزمك نفقتهم ، والصَّحيح أنه تُضبط بالفروع والأصول ، والزوجة أيضاً ؛ لأنَّها تلزمك نفقتها .
) يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ ( بدأ التَّرتيب فللوالدين ، والأقربين ، ثُمَّ اليتامى - سبقوا المساكين - لأنَّ هذا جَمَعَ بين انفراد وضعف ، وذاك مسكين لكن ليس عنده انفراد والمساكين - من باب أولى - يدخل الفقير ، والفقير – أشد حاجة - فإذا دخل المسكين وهو أقل ، ولكن لماذا أقل ؟
طبعاً إذا اجتمع الفقير والمسكين يصبح الفقير أقل حاجة ، وإذا افترقوا ؟ فقال الله : ) إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ ( إذاً لو جاء عندنا الفقير أقل حالاً لأنَّ المسكين يستطيع أن يُدبِّر نفسه ، لكن عنده ضعف ) أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ ( [19] عندهم سفينة ، عندهم آلة يتَّجِرُون بها ومع ذلك سمَّاهم مساكين ، وتجوز لهم الزكاة أيضاً ، وعليهم النَّفقة ، لكن هنا لما ذكر الأعلى وقد يُطلق أيضاً على الفقير .
قال الله ) وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ( سُمِّيَ ابن السبيل لأنّ السبيل الطَّريق فكأنه أصبح ابنُ الطريق ؛ لأنه انقطع به الطريق .
ثم قال : ) وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ ( ، يعني المفترض أن يقول " وما تنفقوا من خير " أليس كذلك ؟ لأنَّه قال : ) يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ ( ، " وما تنفقوا من خير " لكن قال ) وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ ( .
ليُدخِل كُلَّ فعل فيصبح المال ، وغير المال وهذا من فضل الله عز وجل
لأنَّ ليس كل الناس لديه مال ينفق ، هل الصدقات فقط بالمال ؟
الحديث في الصحيحين " ذهب أهل الدُّثور بالأُجور يصلون كما نصلي ، ويصومون كما نصوم ويتصدقون ولا نتصدق فالنبي صلى الله عليه وسلم قال لهؤلاء الفقراء ،فقراء جاؤوا يشتكون الأغنياء : يا رسول الله أنت ق
دم لنا ، فدلهم النبي صلى الله عليه وسلم على التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير ، فرأى الأغنياء ما صنع الفقراء فبدؤوا يسبحون ويهللون ويكبرون ، فجاءوا المرة الثانية الفقراء يا رسول الله رأى إخواننا ما صنعنا فصنعوا فقال النّبي ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ( الحديث ) [20] .
فإذاً ذكر الله عز وجل قد يقوم مقامه ، وقد ينافس فيه الذّي لا يملُك مالاً ، وحتّى الذّي عنده أيضاً من هؤلاء الأغنياء الذين لم تلهِهِم تلك التجارة ، والبيع عن ذكر الله عز وجل .
ومن الصدّقات أيضاً : التَّبسم صدقة ، حتى التَّصرفات صدقة ، إماطة الأذى صدقة ، يعني ليس فقط المال إذاً ) وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ ( من رحمة الله عز وجل أنّه قال ) وَمَا تَفْعَلُوا ( بمعنى حتى أنَّ الفقراء يستطيعون أن يُنافسوا ، ويُسابقوا الأغنياء ) وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ ( ما قال " وما تنفقوا من خير " قال ربُّ العزّة - جلّ جلاله - ) وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ( .
[1]
سورة البقرة 211 .
[2]
سورة البقرة 212 .
[3]
سورة الأعراف 175 - 176 .
[4]
سورة الكهف 28 .
[5]
سورة الكهف 28 .
[6]
سورة المطففين 29 - 32 .
[7]
سورة العلق 6 - 7 .
[8]
سورة الكهف 7 .
[9]
سورة البقرة 213 .
[10]
سورة البقرة 214 .
[11]
رواه مسلم رقم (262) في كتاب الطهارة ، باب الإِستطابة .
[12]
سورة البقرة 215 .
[13]
سورة الأعراف 187 .
[14]
سورة الإسراء 85 .
[15]
رواه الترمذي رقم (69) في كتاب الطهارة ، باب ما جاء في ماء البحر
أنه طهور ، والنسائي رقم (59) في كتاب الطهارة ، باب ماء البحر ، وابن ماجه رقم
(386) في كتاب الطهارة ، باب الوضوء بماء البحر ، وأبو داود رقم (83) في كتاب الطهارة
، باب الوضوء بماء البحر .
[16]
سورة العاديات 8 .
[17]
سورة البقرة 180 .
[18]
سورة التوبة 60 .
[19]
سورة الكهف 79 .
[20]
رواه مسلم رقم (595) في كتاب المساجد ومواضع الصلاة ، باب استحباب
الذكر بعد الصلاة وبيان صفته .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق