تفسير الآيات من 216 - 217



تفسير الآيات من 216 - 217

المقطع الثالث :

) كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216) يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217) (
إذاً جاءت المسألة في النفقة - وسبحان الله - هناك ارتباط بين النفقة وبين الجهاد ؟
بل جُلُّ آيات الجِهاد بدأت بالجهاد بالمال قبل النفس ) جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ ( الجهاد لأنَّ المال عصب الحياة وعصب الجهاد ، فأُمر بالجهاد بالمال قبل النفس ، وهناك اقتران في الآيات بين المال ، والقتال والجهاد .
والعجيب أنَّ في هذه السورة فقط ) كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ ( لماذا ؟ لأنّه كما قلنا أن السُّورة فيها من التَّشريعات والتفريعات ، وفيه من الناس من يشغب ) سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ ( ، ) إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ ( ، وكثير من الأشياء الأحكام .
فقال الله عز وجل وصدق : ) كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ ( كُتِب بمعنى : " فُرِض " ، " فُرِض " بمعنى كُتِب هل هما سواء ؟ نحن نُقربها لكم ، ونقول فرض ، كُتب بمعنى فرض .. نقرِّبها نقول بأنه بمعنى فرض ، لكن كُتب أبلغ ؛ لأن كُتب بمعنى فُرض ، ودُّوِن . يعني أشد من الكتابة نحن نقرِّب المعنى ولذلك التفسير ليس معناه المعنى المطابق بل المقارب ، كلام الله عز وجل ، لا يمكن أن نأتي بتعبير مطابق لكن نقرِّب المعنى فقط .
إذاً قال الله عز وجل دلالة على شِدَّة الكتابة ، وأنَّه أشد من الفـرض ) كُتِبَ عَلَيْكُمُ ( ولاحظـوا ) عَلَيْكُمُ ( لم يقل " كتب القتال عليكم " قَدِّم الجار كأنَّه لم يُكتب إلا عليهم مع أنّه قد كتب على غيرنا . يعني زيادة في الحث على الأمر ) كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ ( .
) كُتِبَ ( وهو ماذا ؟ ) وَهُوَ كُرْهٌ ( كُره ! نعم " كُره " والذِّين الآن يَشغبون في أمر القتال ، والجهاد ماذا يقولون ؟ يا أخي القتال والجهاد لا يمكن أن يقوم ، ويمكن يقع ، ويمكن يقع من المفاسد ويمكن نخسر ، ويمكن يصير ، ويمكن ، ويمكن ، لم تأتِ بجديد ، الله عز وجل قاله !
قال الله عز وجل ) كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ( ونقول لبعض إخواننا لا ينبغي أيضاً لمَّا يُتحدَّث عن الجهاد ، أو القتال ، ونسَّهِل ، والقتال سهل ! ، لا .
بل القتال صعب وشديد ، وهكذا جاء الأمر بصراحة كتب وهو كره ، والمراد بالكُره ؟ مثل ما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " حُفَّت الجنة بالمكاره " . [1]
جنَّة عرضها السموات والأرض تأتي بلا شيء ! لا . لابد أن تُكره هذه النفس ) كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ ( فليس المراد كراهية ما أمر الله به إنَّما الخَوف .
وما يُصيب الإنسان من كراهية في هذا الأمر من ثُقُل لكن ليس المراد الكُره الجبلي الفطري ، يعني السلامة لا يعد لها شيء ، وهذا فيه إتلاف لمال ، لنفس فقال الله عز وجل ) كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ ( طيب يا رب مادام أنّه كره فَلمَاذا كتبته ؟ وعسى من الله واجب .
قال : ) كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ( لكن وعسى ؟ وهذا عسى من الله ) وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ( .
أقف مع هذه الآية وقفة وخاصةً في مقام الكره ، وقد وقف معها ابن القيم وقفة وتكلم عن هذه الآية
في مسألة ماذا يستفيد العبد المؤمن من هذا من هذا التوجيه من الآية وعسى أن تكرهوا ، وعسى أن تحبوا والقائل هو الله الذي يعلم ونحن لا نعلم - آمنوا بهذه الآية ، وصدِّقوا بها وتأملوا فيها تريحكم من أشياء كثيرة - يقول ابن القيم [2] : ومن فوائدها إذا علم العبد أن المكروه يأتي بالمحبوب - ) وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ ( تكره خير ! - إذا علم العبد أنَّ المكروه يأتي بالمحبوب ، ماذا يحدث ؟ اِنشرح صدره للمكروه ، مكروه ! . لكن هل تعرف هذا المكروه ؟ الآن وأنت تأخذ الدواء مُرّ ! لكن تعرف أن فيه عافية ، تجده يسأل عن الدواء ، أين الدواء ؟ لماذا لم تُعطُوني ؟ لم تُخبُروني ؟ وتأخذه ، وأنت فرحان ! لأنك تعرف أن العاقبة حميدة ، وهذا في علم الطب .
فكيف إذا كان الأمر في علم الله ! والله الذِّي يُخبرك به ، ومن أصدق منه سبحانه ، فإذا كرهت أي شيء وقع لك خسارة في دنيا ، خسارةً في تجارة ، في دراسة ، في حياة اجتماعية .
أنت بذلت الجهود ، لكن وقع المقدور ، فإذا وقع المقدور وكان هذا المقدور مكروهاً فقال الله : ) وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا ( بل يقول الشيخ السعدي – رحمه الله - تأمّلوا :
وإذا عَلِمَ العبد أن الذي يقضي بالقضاء - من الذي يقضي ؟ عليم ، حكيم ، رحيم - تأمَّل في الصفات الثلاث في المقدور ، وبالقدر الواقع عليك سواء كان مكروهاً ، أو محبوباً لكن نحن في المكروه ( إذا علم العبد أن الذي قدر بهذا المكروه متصف بهذه الصفات عليم ، حكيم - بل أحكم الحاكمين - ، رحيم - بل أرحم الراحمين - من الذِّي قدر عليك ؟ رحيم ، بل أرحم بك من نفسك ، حكيم أحكم الحاكمين ، عليم يعلم ما الذّي يصلحك ) [3]
لو طبقنا معنى هذه الآية وسيأتي بعض الفوائد التي ذكرها ابن القيم ، أظن أن الإنسان لو علم هذه الآية وتأمل فيها ونظر ، وأعاد النظر ، وكرر ، ونظر ، وجعلها نبراس لحياته يمكن بإذن الله يتخلَّص من كثير من الأمراض ولا تأتيه أمراض ضغط ، ولا سكر ، ولا هم ، هو يسير في قدر الله عز وجل .
ولذلك يقول ابن القيم : إذا علم العبد أن المكروه يأتي بالمحبوب وعسى أن تكرهوا - وهو خير محبوب - انشرح صدره للمكروه .
والثانية ) وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا ( وإذا علم أنَّ المحبوب قد يأتي بالمكروه - لم يطمئن .
ولم يتَّكل على هذا المحبوب ، فأخطر شيء أنك تُؤّمل في تجارة ، في ولد ، في زوجة ، في كذا ، وتضع كل آمالك عليه ، وفرحتك عليه ، وتحبُّه غاية الحُبّ ، وتُفاجأ بفقده ، أو بفقد أجزاء منه لكن إذا كان حُبَّك مقتصد . تخاف ، ارتحت .
يقول ابن القيم : ولذلك إذا علم العبد أنَّ المحبوب ، لم يطمئن - يعيش بدون مبالغة –
الله عز وجل نهى عن الفرح الشديد ، وعن الحزن الشديد ، وجاء عن علي يرفع عن النبي ( صلى الله عليه وسلّم ) والصحيح أنه علي يقول " أحبب حبيبك هوناً ما ، عسى أن يكون بغيضك يوماً ما ، وأبغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما " فلا تبالغ في فرح ولا في ترح ، إذاً الثانية قلنا ينشرح للمكروه ، لا يطمئن . [4]
كأنّ لقائل أن يقول : وأين عقولنا ؟ في الآية ) وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ( نقول في هذا المقام أخلص في الدعاء أن الله تعالى يختار لك الخيرة دائما . دائماً قل ( اللهم خِر لي في جميع أموري ) ، ( اللهم إني أسألك من الخير كله ) ، ( اللهم اختر لي )
تبرأ من حـولك ، ومن قوتـك ، واتَّجه لحول الله ، وقوة الله ، واختيار الله ، خيرٌ الخيرية الله عز وجل ) لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا ( ، ) بَلْ هُوَ خَيْرٌ ( شر ظاهره ! أُمُّنا يقال فيها ! قال الله ) لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا ( ، حتى الحادثة التي وقعت ) لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا ( ، يظهر لنا الخيرية في بعض الأحيان في العاجل قبل الآجل ، بل يظهر لنا في عاجل العاجل .
إذاً الثالثة قال – رحمه الله - أن يسأل الله عز وجل الخيرية .
قال ابن القيم : يفوض الأمر إلى الله ، دائماً يفوض ، يُوَّكل الله عز وجل ، ولله المثل الأعلى لو أن واحداً عنده مشكلة ، وخصومة ، وعنده ضعف في التدبير، ماذا يحصُل إذا حصل له خصومة ؟ يذهب يبحث عن محامي ، بل وأحسن محامي ، ولو جاءه أحسن محامي بالبلد قال أنا أتوكل عنك ، كفيتك . تجده يذهب للبيت ، ينام ، يرتاح لأنه على علم أنّ الذي تولى هذا الإشكال عني هو هذا المحامي .
ولله المثل الأعلى فإذاً يلتجأ إلى لله عز وجل ، فوِّض أمورك لله عز وجل طبعاً مع اتخاذ الأسباب ، لكن لا تجعل النتائج تقعدك – التي في ظاهرها الفشل - ثم يقول ابن القيم : إذا علم العبد أيضاً أنه فوَّض يقول ينتج عنه قوة ، يعني يصبح عند العبد قوة في نفسه ، يصبح قويّ يتحرّك بقوّة .
ثم قال من الفوائد : يرتاح من كثير من الوساوس ، والاختيارات . أكثر ما يشغل أذهاننا الآن الاختيارات ! تريد أن تتخلص ؟ أفعل كذا ، أو أفعل كذا ؟ ، يفعل الإنسان لكن لا يبالغ في القلق والنظر ، فتجده يُصلِّي يكبر في الصلاة ، وكل تفكيره في هذه الأمور ! فوِّض أمرك إلى الله سبحانه وتعالى ، ولذلك تجد أنَّك تعطى قوة ، ولذلك أيضا تبعد عنك كثير من الوساوس .
عل كُلٍّ أنصح حتّى لا أطيل ، عليكم بالرُّجوع إلى هذه الآية في كلام ابن القيم المجموع سواء في تفسيره القيِّم أو بدائع التفسير ، ففيه كلام جيِّد ، لو حتى يُحفظ ، ويُتأمل فيه ، ويُقرن بما ذكره السعدي – رحمه الله - في قوله : ( إنَّ العبد إذا علم .... ) .
خاصَّة وأنّه جاء في حديث في صحيح مسلم أنَّ النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال " ما يقضي الله لمؤمن من قضاء إلا كان خيرًا له " [5] ما يقضي المؤمن إلا من قضاء ، القضاء بعد يقع خير ، حتى ولو ساءك .
حتَّى ابن القيم قال : يا إمام وفي كل شيء ؟ قال : في كل شيء قال : حتى في المعصية ؟ قال : حتى في المعصية ، إذا صَحِبَها توبة ، ربما بعض المعاصي تقلبك إلى عابد .
فإذاً سِر مع خيرية الله عز وجل ، واجعل الله عز وجل يختار لك ، ولا تبالغ ، وتقلق ) وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (
وهذه صفة العلم أضِف إليها صفة ( الحكمة - والرَّحمة ) فإذا جاءك أيّ عارِض ، وقدَر ، عِش في تأمُّلِك في هذه الصِّفات الثلاث تريحك ) وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ( .
ثم قال سبحانه وتعالى بعد أن شرع القتال ، وقيل هذه من أوائل الآيات التي جاءت في الأمر بالقتال وإن كان قد جاء قبلها ) أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ ( [6] لكن هذه جاءت من أوائل الآيات : ) كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا ( ومن رحمة الله أنَّه علَّل هذا الحكم ثم قال سبحانه وتعالى بعد ذلك ) يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ( بدءوا يسأ لون أيضاً ما دام كتب القتال نسأل ..
وقيل أنَّ السَّائل وهو الصحيح : أنَّ السَّائل الذين سألوا عن القِتال هم الكُفَّار ؛ لأنها لها سبب نزول : أن سريٍّا من سرايا المسلمين في آخر جماد الآخرة ، حسبوا أنه آخر يوم من جمادي الآخرة ، وكان أول يوم من رجب لقُوا سَرِّية من الكُفَّار ، وكان فيهم ابن الحضرمي فقتلوه ، فالكفار هاجُوا ، وماجُوا ، انظروا الغَيرة عند الكفار ، ومشاغبتهم ، قالوا كيف تقاتلون في الأشهر الحرم ؟! والأشهر الحُرُم ؟ أربعة : ثلاثة سرد وواحد فرد . [7]
السَّرد : ذي القعدة ، وذي الحجة ، ومحرم ، والفرد : التي بعدها رجب ، وكان يُسَّمى الشَّهر الأصم لأنـَّه لا يسمع للسِّلاح فيه قعقعة ، إذاً فما السِّر في الثلاثة ، والواحد ؟
الثلاثة هي ثلاثة أشهر للحجّ ، حتى يأتون من أقاصي الجزيرة ، يأمنون الذَّهاب والإياَّب ، ورجب لأجل العمرة يكفيهم أيام قليلة ، فكانوا يُعظِّمُون الأشهر الحرم .
وهذا يحل لكم إشكال في الآية ؛ لأن الله قال ) يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ ( لم يقُل الأشهر الحرم ، لماذا ؟ لأنَّ سبب نزولها يوضِّحها ؛ لأنَّ المشكلة وقعت في شهر واحد ( شهر رجب ) . وقد ظنه المسلمين من جُمادى ، وكان من رجب .
فالكفار من حرصهم على الدماء ، وخوفهم من الظلم ، وحرصهم على الإنسانية ، وحبُّهم للعدل ) يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ( ! قال الله عز وجل ) قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ ( لكن في أكبر منه . نعم هذا كبير وهذا خطأ .
انظروا المنهج الرباني ) يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ ( قلت : لماذا قيل الشَّهر ؟ ولم يقُل الأشهر ) يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ( أين ؟
انظروا المنهج الرباني ) يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ ( قلت : لماذا قيل الشَّهر ؟ ولم يقُل الأشهر ) يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ ( الشهر الحرام عرفنا سبب نزوله ، وترى سبب نزوله يعين في فهم الآية ما قال الأشهر ، لأن الخطأ الذي وقع في ( هنا كلمة غير واضحة ) ) يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّه ( أين ؟
) وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ( الصَّد عنه ) وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ ( وكل هذا ، والفتنة أشد من هذا ، أين فعلكم هذا ! جِيئوا بهذا وبذاك وانظروا ! ) وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ( .
ثم قال سبحانه وتعالى في بيان درسٍ ينبغي لأهل الإيمان ألاَّ ينسَوه ، وَصَدَق الله وكَذَبَ كل من قال بخلاف ذلك ) وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ (.
هذه سياسة الله عز وجل يقول ) وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ ( إلى متى ؟ إلى متى ؟ يعني لو سالمناهُم قليلاً نعطيهم مال ! ، نُهادنهم ! ، أرض ! مال ! ، سياسات ! تنازَل بعض الشيء ، ) حَتَّى يَرُدُّوكُمْ ( ، هذه الغاية صعبة ! ) حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ ( .
إذاً يقول الله عز وجل لا تحسبوا أنَّ هذا كراهية للقتال منهم ، أو ورع من محارم ، هذا شغب للكفار فقط ، يشغبُون بالقديم والحديث ، كل يوم لازالوا يشغبُون ، وكأنَّهم حُمَاة للإنسانية وعندهم المكيال مكيالين ، إذا جاء عندهم قال لماذا تقاتلون ؟ لماذا تقتلون أحدهم ، وبالشهر الحرام ، ولو قتلتوه خطأ ! . فيأتون يسألون لماذا محمد يقتل ) يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ (
لكن الله عز وجل منهجه أيضا ليس كأيّ منهج ، فإذا أخطأنا نقول أخطأنا ، وليس من المنهج أن يكون عندنا جهل ..
ألا لا يجهَلنَّ أحدٌ علينا ... فنجهل فوق جهل الجَاهلينا
لا ، نحن نقول كَبِيرٌ ) وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ( كل هذه من الكبائر ، من الأمور التي هي أكبر من تلك الواقعة .
وبالمناسبة ما حكم القتال في الأشهُر الحُرُم ؟ هل الآية منسوخة ؟ أو باقي حكمها ؟
الصحيح أنَّه منسوخ ، وعليه الأئمة الأربعة ، وبل قيل إنَّه لم يخالف إلا عطاء ابن أبي رباح في المنسوخ ، لأن النبي قاتل وحاصر ثقيف في ذي القعدة ، ووقع من الصَّحابة وأهل الثغور ، لأن الحمد لله الأشهر الحرم الآن أصبحت بديار الإسلام ، يعني الأشهر الحُرم كانت حرم لأجل أن يأمن الناس ، والآن قد أَمِنَ النّاس .
يقول الله ) يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ (
ليست القضية أنهم قاتلوا ، لا ، سيستمرون في قتالكم . فكأنَّ الآية تقول " استمروا في قتالهم " .
يقول الله ) وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ( .
( إن ) تفيد ماذا ؟ " إن " تفيد ماذا ؟ التقليل أم التكثير ؟ بل التقليل ، ) إِنِ اسْتَطَاعُوا ( يعني كأنَّه صعب ، وهذا يدل على تزكية الصحابة بقوة إيمانهم .
 ) وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ ( وهذا يدل هنا على التقليل ، وهذا ثناء على الصحابة ) إِنِ اسْتَطَاعُوا ( وكأنه استبعاد أن يقع منكم ذلك ) حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا (
ثم قال سبحانه وتعالى ) وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ ( ، " وَمَنْ يَرْتَدِدْ " لاحظوا ما قال ومن " يرتد " !. بل قال ) وَمَنْ يَرْتَدِدْ ( دلالة الزيادة في المبنى زيادة في المعنى ، كأنَّ الارتداد هنا حصل باختياره لأنه لم يقل " ومن يرتد " لأن من يرتد احتمال أن غيره أجبره ، فيحصل عنده الردّة .
لكن " يرتدد " دلالة على أنَّ الرِّدة قد وقعت منه ) وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ( هل يحبط عمله في الدنيا ؟ إنسان ارتد الآن يحبط عمله ؟
تأملوا في ظاهر الآية ) وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ ( ارتد ، أشرك الآن ؟
وقع خلاف قوي بين أهل العلم ، وأهل العلم على رأيين في هذا ، نحن إذا سِرنا على ظاهر الآية نقول متى ؟ الجواب : إذا مات على الكفر .
لكن لو لم يمُت ؟ إنسان أرتد هل عمله السابق يحبط ؟ حج ثم ارتد ، هل يحج مرة أخرى ؟
الحنابلة والأحناف قالوا : الشرط فيموت وهو كافر
المالكية والحنفية قالوا بذلك ، تشدَّدوا في هذا الباب ، واستدلوا بقوله ) لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ( [8] أن مجرد الشرك يحبط العمل ، فيعود عليه تعود عليه الشرائع مرة أخرى ، يعود من جديد .
لكن ظاهر الآية يدل أنه لو عاد للإسلام يبقى له ما أسلف من أعمال ، نأخذها من ظاهر الآية لن ندخل في التفريعات لو أردنا أن ندخل التفريعات لذهبنا كل مذهب .
إذاً ) فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ ( ونقصد هنا بالدنيا .
نحن يهمنا الدنيا لأن الآية جت بالدنيا لو جت في الآخرة كان الأمر لكن ) فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا ( لكن شرط الآية على قول الحنابلة والحنفية قالوا بذلك وهو أن ) فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ( لكن تصلح الآية للتخويف ، فإذا كنت في مقام التخويف من الشِّرك ، ممكن تقول : وذهب بعض أهل العلم من المالكية إلى أنَّ الشرك – وتخوِّف وخاصة مثل الحجاج -
في حالة إقبالهم على الحجّ ، عندما تأتي تعظ الحجاج تقول لهم : حججتم ، هنيئاً لكم وتعودون مغفورٌ لكم ، ما تقدم من ذنوبكم ، وما تأخر.
ثمّ تخوِّفهم بهذا القول أيضاً إنّك إن أشركت عاد عليك الحج مرة أخرى بدلالة هذه الآية ، وتذكر هذا القول بدون أن ترجَّح في المسألة حتى أيضاً يخاف ؛ لأن فيه التحذير من الشرك .
ثم قال الله سبحانه وتعالى بعد هذه الآية ) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ( [9] ما علاقة الآية ؟ في الحقيقة من كان حافظاً لهذه الآيات ، قد ينسى في بعض الأحيان هذه الآية ، كأنَّ هذه الآية ليس لها علاقة بالسابق واللاحق ،
اللاحق : ) يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ ( .
والسابق : كان في مقام الردة .
فقال الله عز وجل في هذه الآية ) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ( أولاً بدأ بالهجرة ، هناك آيات كثيرة تبدأ بالهجرة قبل الجهاد ، ولعل الهجرة مفتاح للجهاد فهي أفضل . فما السِّر ؟ ) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا .. (
ثم أيضا ما السِّر المعتاد في القرآن ، أنَّ الإيمان يأتي مع الهجرة ، والجهاد بدون عطف الموصول عليها ؟ يعني هنا أظهر الموصول قال ) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا ( في آيات كثيرة في القرآن يأتي ) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا ( لكن هنا أظهر للموصول أو عطف الموصول فجاء به مظهراً ، فما السِّر هنا ؟
لأنَّه لها علاقة بمسألة ) يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ ( جاء في سبب نُزولها قالوا بعض الصحابة : هب أنَّ ليس علينا ذنب ، فهل لنا أجر ؟ يعني السرية التي اعتدينا عليها ، نحن اعتدينا عليها في الشهر الحرام ولم نكن نعلم ، إن كان أو قال بعض أصحابه : إن كان ليس عليهم وزر فهل لهم أجر ؟
فقال الله عز وجل وأظهر مقام الهجرة وعظمها مقام الهجرة والجهاد ، فصلح الإيمان مع أنها تبَعٌ الإيمان فعظم من شأنها وأكدها ) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا ( ثم قال " وَالَّذِينَ " ما كانت تأتي " وَالَّذِينَ " ، ) وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ ( .
وكما يقول الرَّبيع ابن أنس : أولئك أصحاب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) أهل رجاء ، ، ومن رجا طلب ، ومن طلب هرب . ( فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ ) ومع ذلك يرجون ولا يجزمون - لاحظوا !
) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ( أيضا ناسب الغفران ؛ لأنه كأنَّه غفر لهم ما وقع منهم .
يقول الشيخ السعدي عند هذه الآية : وهذه الآية تدل على أنَّه لا ينفع الإيمان والرجاء بدون عمل فالذي يرجوا حقيقةً لابد أن يعمل ( إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا ) [10] لاحظوا أعمال كبيرة ، ومع ذلك تواضع منهم يرجون فهؤلاء يرجون ، وهذا أيضاً ما أبلوا ، يرجون لأنَّ الرجاء لعل أن يقع ذلك .
نسأل الله أن يعفو عن الجميع ، البعض منّا لم يقدِّم إلا أقل القليل ومع ذلك يجزم وليس يرجو قال الله سبحانه وتعالى في وصف أهل الإيمان في سورة المؤمنون : ) يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ( [11] ولذلك من صفتهم : ) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ ( وليست أيَّ مسارعة ) وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ( هذا الذي يرجون صحيح . وهؤلاء أيضاً رجوا . ومع ذلك من تواضعهم يرجون وأخبر الله سبحانه وتعالى بحالهم أنهم كذلك .


[1] رواه مسلم رقم (2822) في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها .
[2] الفوائد .
[3] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان .
[4] رواه الترمذي رقم (1997) في كتاب البر والصلة ، باب ما جاء في الاقتصاد في الحب والبغض ، والألباني في صحيح الجامع رقم (178) .
[5] صحيح مسلم برقم (2999) في كتاب الزهد والرقائق ، باب المؤمن أمره كله خير ، بلفظ : "عجبا للمؤمن إن أمره كله خير" .
[6] سورة الحج 39 .
[7] تفسير ابن كثير .
[8] سورة الزمر 65 .
[9] سورة البقرة 218 .
[10] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان .
[11] سورة المؤمنون 60 .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق