تفسير الآيات من 219 - 221

تفسير الآيات من 219 - 221


) يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219) فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220) وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221) ( [1] .

                                                          بسم الله الرحمن الرحيم


لازال الحديث موصولاً في سورة البقرة ومع الآية التاسعة عشر بعد المائتين يقول الله سبحانه وتعالى ) يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ( فقد سبق الحديث عن السؤال ، وكثرة السؤال في المسائل الفقهية ، لاسيما في هذه السورة سورة البقرة ، يسألونك عن الخمر والميسر ، وهذه الآية من أوائل ما نزل ، من أوائل ما نزل في تحريم الخمر ، وإن كان بعض أهل العلم ذكر أن آيـة النحل قول الله سبحانه وتعالى : ) تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا ( [2] أنها من أوائل الآيات التي جاءت في الحط من شأن الخمر ، لأنها قالت سكرًا و ورزقًا حسناً ، فكأن السكر ليس من الرزق الحسن على كلٍ سواء هذه الآية أو الآية السابقة ، فهذه من البدايات أو من أوائل الآيات التي جاءت مشعرة بانحطاط الخمر وأن فيه منافع لكن إثمه أكثر من نفعه ، ) يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ( ولقائل أن يقول هذا التدرج الذي جاء بالخمر يعني جاء في هذه الآية في سورة البقرة ، ثم جاءت الآية الثانية أيضاً المحرمة لأوقات وتضييق الأوقات في شرب الخمر آية النساء ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ ( [3] ثم جاءت آية المائدة المحرمة ، التدرج بدأ بالبقرة ثم النساء ، ثم المائدة ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ ( تدرجت هذا تحريم الخمر يقول أنس - رضي الله عنه - : ( لقد حرمت الخمر ، يوم حرمت ولم يكن شيء من العيش أعجب لهم منها ) !! فكان هناك تعلق من أهل الجاهلية ، وكذلك من أسلم بالخمر فما حرم عليهم شيء أشق عليهم من تحريم الخمر ، ولذلك جاء التدرج بخلاف الكثير من التشريعات الزنا حُرم مباشرة ، وغيرها من التشريعات لم تأتي بتدرج ، إنما جاء في الخمر وقد جاء في سبب نزولها ، أن عمر - رضي الله عنه - قال : ( اللهم بيّن لنا في الخمر ) ، فنزلت هذه الآية ) يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ( .


والخمر مشتق من المخامرة إما أن يكون مشتق من التغطية ولذلك يسمى غطاء وجه بالنسبة للمرأة ( خمار ) ، وإما من التخمير وهو أن يترك هذا المشروب حتى يختمر ويقذف بالزبد ، وإما من الإغلاق ، يغلق يصاب الشارب بإغلاق في شربه هـذا وكل هذه الانشقاقات موجودة في الخمر ، فالخمر يترك حتى يختمر وكذلك يغطي العقل فكلها موجودة في ( خمر ) ، ) يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ( والميسر أيضا ًجاء ذمه قال الله سبحانه وتعالى ) يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ ( والميسر مشتق أيضا ًإما من اليُسر لأن صاحب الميسر وصاحب - وهو نوع من القمار - صاحب الميسر والقمار هو الميسر والقمار هي : المغالبات سؤال القولية أو الفعلية والتي يحصل فيها المغالب على مال بدون تعب ، ولذلك قيل أنها مشتقة من اليُسر لأن هذا الشيء يأتي على سهولة وبدون تعب هذا المال ، وإما أنه مشتق من اليسار ، وإما من التيسير ولعل يوضح هذا هيئة الميسر في الجاهلية ، كانوا يتقامرون وكان هناك أنواع من الميسر لكن من أشهرها - وأقول من أشهرها - لأنه سيوضح معنى في الآية ، أشهر أنواع الميسر أنهم كانوا في الجاهلية يأتون بخريطة أو بكيس ويضعون فيه عشرة أسهم ، عشرة أسهم سبعة رابحة وثلاثة خاسرة ، ثم يأتي الذي يخرج هذه الأسهم من الخريطة وبعدين يضع الأسهم في الخريطة ، قبله يأتون بجزور وهذا الجزور ينحرونه ، ويقسموا لحمه أجزاء على حسب هذه الأسهم ، وهذه الأسهم بعض الأسهم إذا أخرجتها يخرج لك قطعة من هذا اللحم ، وبعضها يصل قطعتين ، وبعضها ثلاث ، وبعضها أربع إلى أن نصل إلى سبع ، ويسمى القدح ( المعلى ) أو يسمى المعلى ولكن يعني يقال له القدح المعلى ، المعلى الفرد، التوأم ، الفرد واحد ، والتوأم اثنين وهكذا ، وإما أن يخرج له الثلاثة الخاسرة فيدفع القيمة، وانتبهوا للقضية كان في الجاهلية بالنسبة للميسر هذا النوع ، أنواع هي لكن هذا النوع المشهور كانوا يتغالبون فيه ، واللحم الذي يحصلون عليه يعني يعطونه للفقراء ، وهذا يفسر لكم معنى ) مَاذَا يُنْفِقُونَ ( .


لماذا جاءت ) وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ ( لأنهم وكأنهم يقولوا يعني هذا النوع مادام ) يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ( مادام ) وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ ( ماذا ننفق ؟ وكذلك بالنسبة للخمر كانوا يبيعون فيها ويشترون ويتجرون وأيضاً من منابعها ما يحصل فيها من التغطية والنشوة التي تحصل بشربها ، ولذلك يقول حسان :


ونشربها وتجعلنا ملوكاً *** وأسداً ما ينهنها اللقاء


يشربها ويتصور أنه ملك ولكن بعد ما يصحى بدل ما يكون ملوك يصير صعلوك ، يعد إلى كما كان ، ويقول آخر :


وإذا شربت فإنني رب الخورمة والسديد         - يعني رب الأسرة والعروش -


وإذا صحوت فإني رب الشويهة والبعير


أرجع كما كنت ، لكن كانوا يفعلون هذه ، فقال الله سبحانه وتعالى : ) يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ ( وفي قراءة ( كثير ) ، إثم كبير أو كثير ) وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ( والشيء إذا كان فيه منفعة ومضرة الأصل الدرء لذلك استنبط أهل العلم من هذه الآية قاعدة مهمة درء المفاسد مقدم على جمع المصالح إذاً ) يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ( والعجيب يا إخواني بالنسبة للخمر والميسر حتى عند الكفار بدؤوا يحاربون ويشعرون ، ولذلك عد بعض المفسرين أكثر من خمسين مرض بسبب معاقرة الخمور ، وكان بعض أو أشهر الأطباء في ألمانيا يقولون أغلقوا نصف الحالات نغلق نصف المستشفيات كأن هناك ارتباط بين أمراض وبالذات أمراض الباطنية وبين الخمور ، وفي أمريكا في سنة 1919 إلى 1932 في تاريخهم الميلادي ، الحكومة الأمريكية نزلت في ولاياتها جيش لتمنع الخمور نهائياً ، وتصادرها وتمنع تعاطيها لكن ما استطاعت ، والعجيب أن الكفار يدركون أيضاً ضرر هذا ولذلك بدؤوا يقيدون شربه وأنواعه حتى الميسر هذا القمار هل تتصورون أن في كل الدول مباح بل في أمريكيا يمكن ليس مباح إلا في مدينة واحدة من عشرات المدن فقط سمح في مدينة واحدة يسمح بفتح نوادي للقمار البقية ممنوع يعني يعرفون أنها ضياع وقت هلاك للوقت وهلاك للمال بلا داعي لعب ومع هذا اللعب أموال تذهب وهذه كانت موجودة في الجاهلية فجاء الإسلام بالتدرج في تحريمها وخاصة في الخمر إذاً ) يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ( وعرفنا أيضاً شيء من هذه المنافع في البيع والتجارة وما يكن من شأنها ، لكن ) وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ ( إذاً ماذا ينفقون ؟ نعرف لماذا جاءت هنا مع أنها قبل آيات جاءت وليس لها مكان هنا إلا ما عرف من سبب نزولها ) وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ( العفو يعني الفاضل الشيء الزايد ، مـا زاد عن حاجة ينفقه الإنسان ) قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219) فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ ( ، ) كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ( في أي شيء ) فِي الدُّنْيَا ( في أضرار هذه المحرمات أيضا ًسواء في الخمر أو في الميسر أو في النفقة ، وأن المنفق من الفاضل والزائد خير بل هو الباقي ، ) لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219) فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ ( ثم استمرت الأسئلة تتتالى ويقول الله سبحانه وتعالى بعد ذلك ) وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ ( هنا سألوا ويظهر أن من هذا السؤال أيضاً كان سببه أنه شدد بشأن اليتامى فقال الله عز وجل في سورة الأنعام : ) وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ( فشق ذلك على الصحابة ، وعزلوا طعامهم عن طعامهم وشرابهم عن شرابهم ، فجاءوا يسألون كيف نصنع باليتامى ؟ والعجيب أن اليتامى أول ما نزلت الآيات بالتشديد التام بشأنهم ثم خففت فقويت النفوس ورهبوا من شأن اليتامى فخفف الأمر ، فقال الله ) وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى ( قال الله ) إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ ( ولذلك قال ) وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ ( كانت الخلطة ممنوعة ) وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ ( لماذا ما قال إصلاح أموالهم ؟ أو إصلاح ؟


نعم يشمل فقال إصلاح لهم يعني ليشمل الذات والمال إصلاح لهم ، ) وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى ( والعجيب أن اليتامى وردوا بالقرآن بأكثر من ثلاث وعشرين موضع وأكثر ما عني بشأن مالهم ، والتحذير من قربانه ، ثلاث وعشرين آية وموضع يذكر فيها شأن اليتيم ، ويحذر في جوانبه المالية أن لا تقرب فكيف بالتعاون معه !! إذا كان هذا فعل المال فكيف به بحاله ) وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ ( ، ) إِصْلَاحٌ لَهُمْ ( إصلاح بشأن المال إصلاح بجهة الذات إصلاح كل ما يكون من الإصلاح خير ) إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ ( هذا الإشكال هل نخالط أموال اليتامى وندخل بأموالنا مع أموالهم ؟ إذا كان القصد الإصلاح فلا بأس .


ولما قال الله - عز وجل - الرخصة شدد ماذا قال ؟ يعني كان الأمر مشدد قبل ثم جاء التسهيل ، ثم في الآية نفسها عادت مرة أخرى ، عاد التشديد مرة أخرى ، كيف ؟ لا قال والله أولاً والله يتقدم المفسد قال ( والله ) وما قال ( ويعلم الله ) ) وَاللَّهُ يَعْلَمُ ( المفسد هو الألف واللام للاستغراق ، ما قال يعلم من كل مفسد ولا مفسد المفسد لأن الفساد أنواع كثيرة في أموال اليتامى ) وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ( كان طاووس بن كيسان اليماني إذا جاء أحد يسأله ولي يتيم يسأل عن اليتيم ، ماذا أصنع كذا ؟ وإلا أصنع كذا وإلا أصنع .. يسأل ، تلا عليه هذه الآية ) وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى ( ( أنت جاي تسأل عن اليتامى ) ) قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ( ولاحظوا التهديد ،


أولاً : تقديم لفظ الجلالة ثم إظهار تقديم لفظ الجلالة ثم الألف واللام في الإفساد لاستغراق حتى يستغرق كل أنواع الفساد وترى أنواع الفساد في إصلاح اليتامى تتناهى ولذلك الحيل كثيرة القائمون على الأيتام قد يحتالون ويحتالون ، متى جاء أحد يسألك قل كما قال الطاووس ) وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ( لا تسألني ، استفتي قلبك ، لا تلعب وتعبث بشأن هذا اليتيم والله يعلم المفسد قدم المفسد على المصلح ، وجاء بالألف واللام ثم قال : ) وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ ( أثقل عليكم لكن رخص فلا تكن هذه الرخصة سبب ، رخص بالمخالطة فلا تكون الرخصة سبب ما أراد أن يعنتكم استغليتوا رخصته في عدم إعناتكم بالعبث بأموال اليتامى فشدد الله - عز وجل - في ذلك ) وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ ( وأثقل عليكم ثم بعد ذلك فيه ( غفور رحيم ) ؟ ) عَزِيزٌ حَكِيمٌ ( عزيز ، الحكيم واضحة في التشريعات ، عزيز إن كنت أعز وأقوى وأقدر في شأن هذا المال الضعيف الذي أنت وليه عليه قد تعبث بالأوراق وتعبث بالداخل وتعبث بالطالع أنت يدك يد أمانة وأنت مستأمن على هذا المال ( مال اليتيم ) ، فقال الله سبحانه وتعالى ) وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ ( ثم أكد ) إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ( فانتبهوا ) عَزِيزٌ حَكِيمٌ ( انتهت .


ثم قال - سبحانه وتعالى - بعد ذلك ) وَلَا تَنْكِحُوا ( يقول سبحانه وتعالى : ) وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ( هنا أيضاً يأتي مسألة طبعاً هذه الآيات نزلت المدينة فجاء التشديد أيضاً في عدم نكاح المشركات ) وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ ( فهل الكتابية قد تكون مشركة واليهودية ، لكن الله عز وجل استثنى هؤلاء في آية المائدة وفرق بين الكفار ، ) لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ ( فسماهم كفار من أهل الكتاب والمشركين فالمشركين في الحقيقة غير وإن كان ابن عمر يحرم - رضي الله عنه - نكاح حتى الكتابيات ، وعمر - رضي الله عنه - له رأي في هذه المسألة أنه لا يرى عمر كان يكره بل يصل إلى التحريم حتى أنه كان منع حذيفة ونهاه لما تزوج فقال : يا أمير المؤمنين أتراه محرم فأتركه ؟ قال : لا ، انظروا لفقه عمر رضي الله عنه ، عمر كأنه يرى أن الله عز وجل أباح الزواج بالكتابيات بأول الإسلام لقلة النساء ، ولوجود الفتحات أما اليوم بعد الفتحات فوجد مسلمات فلا يحتاج أن تأخذ من أهل الكتاب ثم قال كلمة مشهورة قال : ( أخشى أن تتعاطوا المومسات ، لو تساهلتم في الزواج من كتابيات ) وعموماً هذا رأي عمر - رضي الله عنه - ، واتفق الجمهور على جواز الزواج بالكتابيات أما المشركات فالقول واحد أنه لا يجوز الزواج بهن ، والحقيقة في هذه المسألة أيضاً ، رأيت رأي بعض المعاصرين يعني للشيخ عبد العزيز بن باز الله يغفر له ويرحمه والشيخ بن عثيمين وغيرهم كراهة الزواج من هذا من الكتابيات [4] يعني خشية أن يعني يحدث شيء من الولاء بينهما والأولاد والحقيقة وجدث كلام جميل للشيخ الألباني بهذا المقام قد يكون فيه ملامسة للواقع ولمعرفته فكان يقول يجوز الشيخ يحرم بعض الأنواع يجوز بشرط الزواج من كتابية قال يجوز بشرط أن تكون الكتابية من رعايا دولة إسلامية يعني كأن تكون كتابية مصرية أو باكستانية من بلاد الإسلام أو سورية إذا كانت يجوز ، لأن الغلبة للمسلمين أو تكون من إذا ترخص أن تكون أيضاً كتابية ولكن من بلاد كتابية ضعيفة ليس القوة للأهل البلد لأن الآن لو تزوج من كتابية مثلا ًمن بلاد الغرب من أوربا أو من أمريكا الدولة قوية ولو تكون من رعايا تلك الدول النظام قوي في قضية جلب الأولاد قد يحدث مفاسد قد تطلق الزوجة هذه فتأخذ مالك وتأخذ أولادك ثم يتنصر الأولاد ولذلك رأى بعض العلماء القوي وبعض المعاصرين الفقهاء أن بعد قوة هذه الدول أصبح الدول الزواج من الكتابيات من تلك الدول النصرانية القوية لا يجوز خوفاً من هذا أو إغلاق لهذا الباب ، إذاً يقول الله سبحانه وتعالى ) وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ ( انظروا للمفارقة يقول الله سبحانه وتعالى لما الإنسان قد يتجه إلى تلك الكتابية إلى هذه المشركة لأنه قد ينظر في بعض المحاسن عندها فقال الله وقوله حق وصدق وينبغي أن تكون هذا القول على العين والرأس قال الله سبحانه وتعالى ) وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ ( ما هي حرة أمة ( عبدة ) تباع وتشترى ، ) وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ ( طيب خير من مشركة عادية لا خير من مشركة ولو أعجبتكم الله يقول خير وأنت تقول خير هناك خيرين الله يقول خير ، وأنت تقول خير ، أيهما تقدم بالخيرية ، قدم خيرية الله وستجد أنه خير إذاً كأنه يقول لك مو لازم طبعاً تأخذ أمة لكن خذ حرة مؤمنة ، إذا كانت هذه الأمة التي تباع وتشترى وناقصة الحرية عند الله خير ، عند الله فينبغي أن تكون عندك لأنها ستكون أيضاً أم أولادك والأمة المؤمنة خير استنبط فائدة جميلة الشيخ محمد وما رأيت أحد في الحقيقة استنبط مثل هذه الفائدة قال الشيخ محمد بن عثيمين [5] الله يغفر له ويرحمه عند هذه الآية ) وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ ( قال : ( دين الإسلام دين عدل لا مساواة ) استنباط جميل ، الخيرية يعني أن عدل ديننا دين عدل لكن مساواة لا ، ما يستوي الكافر مع المؤمن أمة مؤمنة خير ، لكنه دين عدل فاختر دقيق ممكن نستبدل كلمة مساواة بأنه دين عادل نعم عادل لهذا حقوق ولهذا حقوق ولكن ليس مساواة ، استنباطاً من خير من هذه الخيرية هذه التي تباع وتشترى خير من تلك المعجبة والعادة أن المعجبة تكون أيضاً من ذات مال ، ذات جاه ، ذات جمال فقال الله خير ونقول نحن خير ) وَلَا تُنْكِحُوا ( أيضاً هذا المشرك لا ينكح ) وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ ( وأما بالنسبة للكتابي فلا يجوز أن يتزوج مسلمة والإسلام يعلو ولا يعلى عليه ، لو قال قائل وهذه قد تعلو ( وَلَا تَنْكِحُوا ) هل المراد هنا النكاح بمعنى العقد ولا الوطء ؟


هو في اللغة النكاح بمعنى الوطء وفي الشرع العقد ما الدليل على أن النكاح في الشرع بمعنى العقد مجرد العقد يعني لو قال قائل الآن في هذه الناحية دعوية قال أنا سأعقد على هذه المشركة لكن لن أدخل بها حتى تسلم وقال أن الله - عز وجل - يقول نظر لظاهر الآية ) وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ ( فأنا لم أنكح ، فماذا نقول له ؟ في قوله سبحانه ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ ( [6] فسماه نكاح من غير مسيس أم لا ؟ ، نكحتم ولم تمسوهن فالنكاح في الشرع يطلق على العقد مجرد عقد ، العقد على ولذلك مجرد العقد على البنت يحرم الأم ، وكذلك بالنسبة لهذه ما يجوز ولذلك يسأل بعض الإخوان يسأل بعض الإخوان في الغرب يقول أنا من باب أني سأدعوها وكوني أدعوها لا بد أن أقابلها وأجلس معها وأتبسط معها فحتى أخرج من الحرج الشرعي أعقد عليها ولكن لن أدخل بها ، نقول له لا هذا ما يجوز أيضاً ولو كانت هذه غايتك .


نأتي بعد ذلك إلى قوله سبحانه وتعالى في بيان العلة يعني الله سبحانه وتعالى لما جاء في أمر النكاح علل وهذا من لطفه بنا وإلا لو حكم وقضى بدون تعليل سمعنا وأطعنا ، لكن من لطف الله عز وجل بنا قال لماذا ؟ لماذا هؤلاء لا يصلحون للزواج ؟ لماذا هؤلاء لا يصلحون ؟


) أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ ( لاحظوا ) وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (




[1] سورة البقرة 221 .
[2] سورة النحل 67 .
[3] سورة النساء 43 .
[4] يقول الشيخ بن باز رحمه الله في فتاواه : ( بذلك يتضح أن المحصنات من أهل الكتاب حل للمسلمين غير داخلات في المشركات المنهي عن نكاحهن عند جمهور أهل العلم بل هو كالإجماع منهم لما تقدم في كلام صاحب المغني ، ولكن ترك نكاحهن والاستغناء عنهن بالمحصنات من المؤمنات أولى وأفضل لما جاء في ذلك عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وابنه عبد الله وجماعة من السلف الصالح رضي الله عنهم . ولأن نكاح نساء أهل الكتاب فيه خطر ولاسيما في هذا العصر الذي استحكمت فيه غربة الإسلام وقل فيه الرجال الصالحون الفقهاء في الدين وكثر فيه الميل إلى النساء والسمع والطاعة لهن في كل شيء إلا ما شاء الله فيخشى على الزوج أن تجره زوجته الكتابية إلى دينها وأخلاقها كما يخشى على أولادهما من ذلك والله المستعان فإن قيل : فما وجه الحكمة في إباحة المحصنات من أهل الكتاب للمسلمين وعدم إباحة المسلمات للرجال من أهل الكتاب ، فالجواب عن ذلك والله أعلم أن يقال : إن المسلمين لما آمنوا بالله وبرسله وما أنزل عليهم ومن جملتهم موسى بن عمران وعيسى ابن مريم عليهما الصلاة والسلام ومن جملة ما أنزل على الرسل التوراة المنزلة على موسى والإنجيل المنزل على عيسى لما آمن المسلمون بهذا كله أباح الله لهم ساء أهل الكتاب المحصنات فضلا منه عليهم وإكمالا لإحسانه إليهم ، ولما كفر أهل الكتاب بمحمد صلى الله عليه وسلم وما أنزل عليه من الكتاب العظيم وهو القرآن حرم الله عليهم نساء المسلمين حتى يؤمنوا بنبيه ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين ، فإذا آمنوا به حل لهم نساؤنا وصار لهم ما لنا وعليهم ما علينا ، والله سبحانه هو الحكم العادل البصير بأحوال عباده العليم بما يصلحهم الحكيم في كل شيء تعالى وتقدس وتنزه عن قول الضالين والكافرين وسائر المشركين . وهناك حكمة أخرى وهي أن المرأة ضعيفة سريعة الانقياد للزوج فلو أبيحت المسلمة لرجال أهل الكتاب لأفضى بها ذلك غالبا إلى دين زوجها فاقتضت حكمة الله سبحانه تحريم ذلك ) .
[5] يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في فوائد تفسيره للآية : ( ومنها: الرد على الذين قالوا: « إن دين الإسلام دين مساواة » ؛ لأن التفضيل ينافي المساواة؛ والعجيب أنه لم يأت في الكتاب، ولا في السنة لفظة « المساواة » مثبتاً؛ ولا أن الله أمر بها؛ ولا رغب فيها؛ لأنك إذا قلت بالمساواة استوى الفاسق، والعدل؛ والكافر، والمؤمن؛ والذكر، والأنثى؛ وهذا هو الذي يريده أعداء الإسلام من المسلمين؛ لكن جاء دين الإسلام بكلمة هي خير من كلمة « المساواة » ؛ وليس فيها احتمال أبداً، وهي « العدل » ، كما قال الله تعالى: { إن الله يأمر بالعدل } [النحل: 90] ؛ وكلمة «العدل» تعني أن يسوى بين المتماثلين، ويفرق بين المفترقين؛ لأن « العدل » إعطاء كل شيء ما يستحقه؛ والحاصل: أن كلمة « المساواة » أدخلها أعداء الإسلام على المسلمين؛ وأكثر المسلمين - ولاسيما ذوو الثقافة العامة - ليس عندهم تحقيق، ولا تدقيق في الأمور، ولا تمييز بين العبارات؛ ولهذا تجد الواحد يظن هذه الكلمة كلمة نور تحمل على الرؤوس: « الإسلام دين مساواة »! ونقول: لو قلتم: « الإسلام دين العدل » لكان أولى، وأشد مطابقة لواقع الإسلام .
[6] سورة الأحزاب 49 .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق