تفسير الآيات من 254 - 260
تفسير الآيات من 254 - 260
ثمّ
قال سبحانه وتعالى ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا
بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ
(254) ( .
جاءت
آيات النَّفقة من قبل ، ثُمَّ جَاءت هذه الآية وقد أَمرت بالإِنفاق ، والبَذل .
وهذا البذل بعض ما رزَقنا الله - عزَّ وجل - ، والرَازق هو الله فلماذا يبخَل
العبد ، يُطلَب منه قليلٌ من قليل ، وهذا القليل ليس هُو مِنك ومن جُهدك ، إنّما
هُوَ من رزق الله - عزَّ وجل - .
وليُنفِق
العبد قبل أن يأتِيَ يوم لا بيع فيه ولا خُلَّة ولا شفاعة ، فذاك اليوم لا تنفع
التّاجر تجارته ، لأن الإنسان في ذلك اليوم إمّا أن يحتاج إلى خَليل أو شَفيع
أو تَاجِر .
لا
تجارة ولا مال في ذلك اليوم ليُنقِذك ، لأنَّ بعض النَّاس في الدُّنيا إذا أراد أن
يَشفع إما أن يَشفع بماله إذا كان تاجر ، أو بخليله ، أو بشافع يشفع له . فقَال
الله - عزَّ وجل - اجعلوا هذا المال في ذاك اليوم ينفَعكُم .
****************
ثمّ تأتي أعظَم آية في
القرآن وهي آية الكُرسي ) اللَّهُ لَا إِلَهَ
إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ( وهذه الآية كما أخبر بذلك النَّبي صلى الله عليه وسلم فقال لأُبي
: أيُّ آيةٍ أعظَمُ في كِتاب الله . فقال أُبي : ) اللَّهُ لَا إِلَهَ
إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ( فَضَربَ على صدره النّبي صلى الله عليه وسلّم وقال : لِيَهنَكَ
العِلم يا أبا المُنذِر . فهذه أعظم آية في كتاب الله
.
ويأتينا مسألة في هذا قد يتعرَّض لها
بعضُ أهلُ العلم ، وهو هل
معنى هذا أنَّ في كتاب الله فاضِل ومفضُول في القرآن الكريم ، وهو كلام الله
كُلِّه ؟
كلام
الله كُلُّه فاضل ، - ولكن في المُخبَر عنه -
كما في سورة الإخلاص فلا تستوي مع آية الدَّين فِي الفَضل ، هل تستوي أعظم آية في
صفات الله وفي بيان كماله وجلاله مع آية ) تَبَّتْ يَدَا أَبِي
لَهَبٍ ( لا يستوي . إذاً القضية في الفضل في المُخبَر عنه فسُورة ( تَبَّتْ ) أخبرت عن أبي لهب، وسورة الإخلاص قد أخبرت
عن صفات الله - عزّ وجل - هذا التّفاضل من هذا الباب
.
وممَّا جَاءَ في فضل آية الكرسي
وقال عثمان بن الهيثم أبو عمرو : حدّثنا عوف بن محمد بن سيرين عن
أبي هريرة قال : وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان ، فأتاني آت
، فجعل يحثو من الطعام ، فأخذته وقلت : والله لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، قال : إني محتاج وعلي عيال ولي حاجة شديدة ، قال : فخليت عنه ، فأصبحت فقال
النبي صلى الله عليه وسلم : ( يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة ) . قال : قلت :
يا رسول الله ، شكا حاجة شديدة ، وعيالا فرحمته فخليت سبيله ، قال : ( أما إنه قد
كذبك ، وسيعود ). فعرفت أنه سيعود، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنه
سيعود ) . فرصدته ، فجاء يحثو من الطعام ، فأخذته فقلت : لأرفعنك إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم ، قال : دعني فإني محتاج وعلي عيال ، لا أعود ، فرحمته فخليت سبيله
، فأصبحت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا أبا هريرة ما فعل أسيرك ) .
قلت : يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالا، فرحمته فخليت سبيله ، قال : ( أما إنه
كذبك ، وسيعود ) . فرصدته الثالثة ، فجاء يحثو من الطعام ، فأخذته فقلت : لأرفعنك
إلى رسول الله ، وهذا آخر ثلاث مرات تزعم لا تعود ، ثم تعود ، قال : دعني أعلمك
كلمات ينفعك الله بها ، قلت ما هو ؟ قال : إذا أويت إلى فراشك ، فاقرأ آية الكرسي
: ) الله لا إله إلا هو الحي القيوم ( . حتى تختم الآية ، فإنك
لن يزال عليك من الله حافظ ، ولا يقربنك شيطان حتى تصبح ، فخليت سبيله فأصبحت ،
فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما فعل أسيرك البارحة ) . قلت : يا رسول
الله ، زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها فخليت سبيله ، قال : ( ما هي ) . قلت
: قال لي : إذا أويت إلى فراشك ، فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم : ) الله لا إله إلا هو الحي القيوم ( . وقال لي : لن يزال عليك من الله حافظ ،
ولا يقربك شيطان حتى تصبح - وكانوا أحرص شيء على الخير - فقال النبي صلى الله عليه
وسلم : ( أما إنه قد صدقك وهو كذوب ، تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة )
. قال : لا ، قال : ( ذاك شيطان ) .
الراوي : أبو هريرة المحدث
: البخاري - المصدر : صحيح البخاري
- الصفحة أو الرقم : 2311 - خلاصة حكم المحدث : [ صحيح
]
يعني
أنَّها فعلاً مَن قَرَأَهَا - ولكن يقرأها ويتأَمَل فيها ) اللَّهُ لَا إِلَهَ
إِلَّا هُوَ ( أنت تستعين بالله عزّ وجل ، ثمّ تقول ) الْحَيُّ الْقَيُّومُ ( الحَيّ كاملُ الحياة ، وكامل القيُّومية سبحانه وتعالى ، فما دام
أنَّه حَيّ وقيّوم فهو قائمٌ عليك وعلى غيرك . ) لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ
وَلَا نَوْمٌ ( السِّنة : النُّعاس ) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ( فاللام لام المُلكية ، فله المُلكية سبحانه وتعالى . ) مَنْ ذَا الَّذِي
يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ( والشَّفاعة ليست إلا بإذنه سبحانه ، كلُّها
تعظيم لله عزَّ وجل في صفاته وفي ذَاتِه ، وفي مُلكِهِ ، وفي شَفاعته ، ولهذا
عظَمتها جاءت من هذا التّعظيم لله سبحانه وتعالى ، قُلهَا وأنت تشعُر بهذه العظمة
في هذه الآية .
) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ
أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا
بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ( والمُـراد بالكُرسيّ هنا – كما
فسَّرها فيما صحَّ عن ابن عبّاس يُرفَع عن النّبي صلى الله عليه وسلّم – لكن في
سنده ضَعف وصح في سنده أنّه قال المراد بالكُرسيّ
: موضع القدمين لرَبِّ العزّة جلّ جلاله . فَوَسِع كُرسيه السماوات والأرض ) وَلَا يَئُودُهُ
حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255) ( وأنت تقرأها حتّى تُحفَظ
، تأمَّل في هذه الآية ، وقُلهَا وأنت تُوقِن بأنّ الله حافِظُك ) وَلَا يَئُودُهُ ( لا يُكرِثُهُ ، ولا
يُعجزهُ سبحانه وتعالى أن يحفظك .
****************
يقول
الله تعالى ) لَا إِكْرَاهَ فِي
الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ
وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ
لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ
مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ
الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ
أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي
حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ
إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ
قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ
بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ
الظَّالِمِينَ (258) ( .
يقول
الله - عزَّ وجل - ) لَا إِكْرَاهَ فِي
الدِّينِ ( والآية التّي بعدها تُوضِّحُهَا ) قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ
مِنَ الْغَيِّ ( قد جاء في سبب نُزولها
أنَّ بعض أَبناء الأنصار ، قد تهَّوَدُوا ، بل قَد سَعى بهم آباءُهُم فهَّوَدُوهُم
، ثمّ لمَّا جاء الإسلام وأَسلمُوا بَقُوا هؤلاء على دين اليَّهودية ، فأرادوا أن
يُكرهُوهم على الإسلام ، فنزلت هذه الآية
) لَا إِكْرَاهَ فِي
الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ( ويبقى أنَّ مَن آمنَ ، ومن كَفَر . فإمَّا أَن يُعطِي الجزية ،
وإمَّا أن يُقَاتَل .
) لَا إِكْرَاهَ فِي
الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ( وهذا فيه ردّ على من
يزعُم على أنَّ في دين الله - عز ّوجل - إكراه ، لأنَّ
الله قال ) قَدْ تَبَيَّنَ
الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ( فلا حاجة لهذا الإكراه ، ولا حاجة لمن يُكرَه ، ويُقبِل على هَذا
الدِّين وهُو غَير مُقتنِع به قناعة من نفسه .
) فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ
( والطّاغوت : من الطُّغيان ، كُل ما تجاوز الحدَّ من مَتبوعٍ ، أو معبودٍ ، أو مُطَاع ،
وكُل من عُبِدَ وهو راضٍ فهُو طاغوت فمن الطّواغيت كالسَّاحر أو غيره من
الطَّواغيت التِّي تُنَّصِّبُ نفسها . ) فَمَنْ يَكْفُرْ
بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى
لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) ( .
ثمّ
قال الله - عز ّوجل - ) اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ
آَمَنُوا ( هَذه ولاية من الله سبحانه وتعالى بسبب هذا الكُفر بالطَّاغوت ،
والاستمساك بالعُروةِ الوُثقى . قال سبحانه وتعالى ) يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى
النُّورِ
( ولاحظُوا قال ( ظُلُمات، ونور
) يُخرِجُهُم من ظُلُمَات الشَّك ، والحَيرة عدد من الظُّلمات ، ولكنّ النُّور واحد ، ) وَالَّذِينَ كَفَرُوا
أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ( وأمّا أولئك – عياذاً بالله - وهم أولياؤهم الشياطين يُخرجُونهم
من النّور إلى الظُلمات ، من نور الفطرة إلى ظُلمات الشّك والحيرة . ) أُولَئِكَ أَصْحَابُ
النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257) ( .
ثمّ
جَاءت بَعد ذلك آيات المُحاجَّة ، والعَجيب
أنَّ المحُاجَّة في آيات القرآن تأتي آيات المُحاجة ليست كالجِدال ، المُحاجَّة في الغالب أنّها تدعو إلى الغَلَبة بغير الحقّ
، ولذلك لو تَأمَّلتم في آيات المُحَاجّة فإنّها تختلف عن آيات المجادَلة ، ولذلك
أريد أن أُحاجّ فلان فالصّواب أن تقول أريد أن أجادل فلان ، أمّا المحُاجَّة فكأنك تُريد الغَلبَة بِحُجّتك فقط ، ولا تُريد
للآخر أن ينتفع ، ولذلك لو رجعنا لكثير من آيات المُحاجّة لوَجدناها في ذلك .
) أَلَمْ تَرَ إِلَى
الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ ( فلمَّا أُوتِي هذا المُلك ، جَعله هذا المُلك يَطغى ويَتجبّر ،
فقال له إبراهيم - بعد أن سأله هذا الطَّاغية عن ربّه ، قال له : من ربُّك ؟ قال
إبراهيم : ربِّيَ الذِّي يُحيي ويُميت . فالمغالطة من هذا الطَّاغِية ومن هذا
المُحاجّ ، أَن جاء بأحدهم قد حُكِم عليه بالموت فعَفا عنه ، وجاء بالآخر وقتله ،
فقال: أنا قتلت وأحييت ) قَالَ أَنَا أُحْيِي
وَأُمِيتُ ( فَتَرك إبراهيم هذه الحُجّة ، وجاء له بِحجّةٍ أخرى ) قَالَ إِبْرَاهِيمُ
فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ
الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ( والبَهت يدُلّ على المُفاجئة وأنّه لم يستطع أن يُحاجَّ الحُجَّة
الحقيقية ) فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ( .
) وَاللَّهُ لَا يَهْدِي
الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258) ( ثمّ أخبر الله - عزّ وجل - بأنّه لا يهدي القوم الظّالمين ، أنَّ
هذا الظّالم لنفسه ولغيره لا يُهدى ، والله لا يُصلِح عمل المفسدين .
ثم
قال سبحانه وتعالى ) أَوْ كَالَّذِي مَرَّ
عَلَى قَرْيَةٍ ( هذا منكر لله عز وجل ) أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ
خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ ( والقرية قد تَكرر ذِكرها
في القرآن ، أكثر من لفظ المَدينة ، وإن جاء لفظ المدينة
لكن وردت القرية والمراد بها من القرن ، وليست كالمصطلح الموجود عندنا اليوم إن
القرية المكان الذِّي يجتمع فيه عدد قليل من النّاس ، لا كانت القرية هي المكان
كقول : مكّة أمُّ القُرى ، ) وَتِلْكَ الْقُرَى ( فيَرِد القُرَى بمعنى
المكان الذِّي يَقِرُّ ويَكثُر فيه النَّاس ) قَالَ أَنَّى يُحْيِي
هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ( أماته الله عز وجل مئة عام فَجَعلَ له دليل من طَعامه ومن حماره ) قَالَ كَمْ لَبِثْتَ
قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ
فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ
وَلِنَجْعَلَكَ آَيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا
ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا ( .
) فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ ( بعضهُم قال أنّه نبيّ ، والصَّحيح أنّه
ليس بنبيّ لأنّه قال ) فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ
قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259) ( .
وإبراهيم
- عليه السّلام - أيضاً عندما سأل عن الكيفية لم يكُن شاكّاً ، بل يُريد أن يرى الكيفية ، لأنّ بعض النّاس يخطُر في باله خلاف ذلك ، ) وَإِذْ قَالَ
إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ
قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ( أريد أن أرى الكيفية فقال الله - عز ّوجل - ) قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً
مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ
جُزْءًا ( فاجمعهُنَّ إليك ، وقطعهُنَّ واخلطها ، وفرقهُنَّ على أماكن
مُرتفعة كُل جبل منهُنّ جزءاً ، حتى ترى وغيرك كيف أن هذا الطِّير يُجمع ) ثُمَّ ادْعُهُنَّ
يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260 ( .
كما
قُلتُ لكم سابقاً أنّها جاءت آياتُ النّفقة ، مُفرَّقة :
•
في قوله تعالى ) مَنْ ذَا الَّذِي
يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا ( .
•
في قوله تعالى ) مِنْ قَبْلِ أَنْ
يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ ( .
ثمّ
جاءت مُفصَّلة ، وأنّ هذه أمثلة عن أحوال النَّاس في المال ، وضرب الله - عز ّوجل
- أمثلة وبيّن جُملة من الآداب في أمر المال .
فقال
الله - عز ّوجل - ترغيباً في النّفقة ) مَثَلُ الَّذِينَ
يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ
سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ
يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261) ( .
والمَثل عندما يُضرَب يُراد به استحضار الصُّورة ) كَمَثَلِ حَبَّةٍ
أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ ( في المثل هذا هُناك حبّة ، وهُناك باذل والمال مُنِفق ، ومُنفَق
منه . فقال الله - عزّ وجل - ) مَثَلُ الَّذِينَ
يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ( في سبيل الله قد يَنصرف إلى الجهاد ، وبالمناسبة بالنسبة لقوله ) فِي سَبِيلِ اللَّهِ ( الله - عز ّوجل - قال في
سورة أخرى ) إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ
لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ
قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ
عَلِيمٌ حَكِيمٌ ( ذهب كثير من المُتقدِّمين أنّ المراد في سبيل الله إلى الجهاد .
وبعض
الفقهاء المعاصرين كثير منهم مالُوا إلى الجهاد وغيره ، وكُلُّ ما أعان على سبيل
الله من جهاد الكلمة ، وجهاد الكُفّار .
بل
لقد رأيت الحقيقة فتوى مناسبة لمُجمّع الفقه الإسلامي في إحدى دوراته ، تحدَّثُوا
عن هذه المسألة واختلف أهل العلم المُعاصرين الشيخ ابن
باز ، وابن عثيمين ، رأوا أنّ في سبيل الله
في الجهاد وخالف في ذلك الشيخ ابن جبرين وغيره من
الفقهاء المعاصرين وعلَّلوا هذا الخلاف
أنّ في سبيل الله أمره واسع تكون في جهاد الكلمة وفي غيره كتعليم العلم ، وتحفيظ
القرآن ، وكُلّ ما كان في سبيل الله واسع .
فقالوا : إنّ الجهاد اليوم أصبحت تقوم به
الدُّوَل على شكل وزارات ، ويُنفَق عليه ، لكن جهاد الكَلمة لا أحد يُنفَق عليه ،
وإن كان هناك نفقة لكنّها لا تكفي ما يحتاج النّاس إليه ، ولذلك بما أنّها قد
تكفّلت به الدّوَل – الجانب العسكري - فيُصرف هذا المصرف في سبيل الله ، في جهاد
الكلمة ، في تعليم النّاس ، والدَّعوة إلى - عزّ َوجل - وفي تحفيظ القرآن وغيرها
من المَصارِف .
لكن
هنا في الآية ) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ
أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ( بلا شَكّ لو قيل لنا دفع المال للجهاد أو لغيره ؟ لأصبحت الآية
منطوقة . ولو تأملتم في كثير من الآيات أكثر من أربعين آية ، جاءت نصت ) فِي سَبِيلِ اللَّهِ ( على أنّ المراد بها القتال ، لكن لهذا التّعليل ، ولهذا التّوجيه
يُصبح فعلاً باب الجهاد في هذا العصر يمكن أن يُنقَل أكثر هذا المصرف إلى المجالات
الأخرى في سبيل الله من جهاد الكلمة وجهاد الفكر لعلّه أقوى ، والمجال فيه أرحب
وقد يكون ذاك المجال قد أُغلِق فيه كثير من أبوابه .
******************
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق